بقى أمور : (١)
الأول : أن أسامي المعاملات (٢) ، إن كانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع في كونها موضوعة للصحيحة أو للأعم ، لعدم اتصافها بهما ، كما لا يخفى ؛ بل بالوجود تارة وبالعدم أخرى ، وأما إن كانت موضوعة للأسباب فللنزاع فيه مجال.
لكنه لا يبعد دعوى كونها (٣) موضوعة للصحيحة أيضا ، وأن الموضوع له هو
______________________________________________________
(١) أي : هناك أمور ثلاثة تتعلق بالصحيح والأعم.
(٢) وقبل الخوض في البحث لا بد من بيان ما هو محل النزاع في باب المعاملات.
وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن في كل معاملة يحصل أمران :
أحدهما : القول أو الفعل المقصود به إيجاد المعنى ؛ كالإيجاب والقبول في القول ، أو إشارة الأخرس في الفعل.
ثانيهما : المعنى المقصود إيجاده كالملكية الحاصلة بالقول أي : عقد البيع أو بالفعل ، أي : التمليك بالإشارة مثلا. فالأول يسمى سببا ، والثاني مسببا.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن المعاملات فيها أسباب ومسببات ، وأساميها إما موضوعة للأسباب أو للمسببات ، والنزاع فيها يجري فيما إذا كانت ألفاظها موضوعة للأسباب ، وأما لو كانت موضوعة للمسببات كالزوجية والملكية والحرية وغيرها من الأمور الاعتبارية فلا مجال للنزاع أصلا ؛ وذلك لعدم اتصافها بالصحة والفساد حتى يقال إنها موضوعة للصحيح أو للأعم ؛ بل حينئذ يدور أمرها بين الوجود والعدم. وهذا ما أشار إليه المصنف بقوله : «لعدم اتصافها بهما» أي : بالصحة والفساد.
وملخص كلامه : أن النزاع إنما يجري في المورد القابل للاتصاف بالصحة والفساد بأن يكون له وجودان أحدهما : يترتب عليه الأثر ، والآخر : لا يترتب عليه الأثر ، فيصح حينئذ أن يقال : بأن اللفظ موضوع لخصوص ما يترتب عليه الأثر أو للأعم منه ومن غيره ، وأما ما لا يقبل الاتصاف بهما لعدم تعدد نحو وجوده فلا مجال للنزاع فيه.
(٣) أي : أسامي المعاملات كألفاظ العبادات فكما أن ألفاظ العبادات موضوعة لخصوص الصحيحة ـ على رأي المصنف ـ فكذلك ألفاظ المعاملات لا يبعد دعوى كونها موضوعة للعقود الصحيحة المؤثرة في الملكية ، أو في علقة الزوجية أو في الحرية. إلّا إن المصنف قد جزم في باب العبادات بأن ألفاظها موضوعة للصحيح ، ولم يجزم هنا ذلك الجزم فلذا قال : «لكنه لا يبعد دعوى كونها موضوعة للصحيحة أيضا» أي : كألفاظ العبادات.