لا يقال : على هذا (١) يمكن تداخل علمين في تمام مسائلهما ، فيما إذا كان هناك مهمان متلازمان في الترتّب على جملة من القضايا لا يكاد انفكاكهما.
______________________________________________________
البعض من مسائل علمين أي : اللغة والأصول.
فتحصّل مما ذكرنا : أنّه يصح جعل مسألة من مسائل العلمين على أن يكون الجامع هو الغرض ، دون أن يكون هو الموضوع ، فهذا أقوى دليل على أنّ الحق ما ذهب اليه المصنف. وبالجملة : فالملاك في اتحاد العلم ووحدته مع تشتت العوارض واختلاف الموضوعات والمحمولات هو وحدة الغرض ، فلو كان الغرض والمهم واحدا يعدّ الجميع علما واحدا ويفرد بالتدوين. وأمّا لو كان الغرض متعددا يتكثّر العلم ؛ وإن كان موضوع المسائل واحدا.
(١) أي : على كون بعض المسائل ممّا له دخل في غرضين مهمين يمكن تداخل علمين في تمام مسائلهما. وهو باطل لأجل عدم حصول الميز بين العلمين.
وقبل توضيح هذا الإشكال ينبغي بيان ما يرجع إليه الإشكال المذكور ؛ فنقول : إنّه يرجع إلى قوله : «فلذا قد يتداخل بعض العلوم في بعض المسائل» أي : فلأجل كون الجامع بين مسائل كلّ علم هو الغرض ؛ يمكن تداخل بعض العلوم في بعض المسائل ، ويقصد به عدم جواز التداخل فيما إذا كان الجامع بين مسائل العلم هو الموضوع ، فيكون ردّا على القول بأنّ تمايز العلوم بالموضوعات ، وذلك لعدم حصول الامتياز بين علمين فيما إذا اشتركا في بعض المسائل من حيث الموضوع.
وأمّا توضيح ذلك فيقال : إنّ ما ذكرتم من الفرق بين القولين ؛ إنّما يتم على فرض اشتراك بعض مسائل علمين في الغرض ؛ بمعنى : ترتب غرض كلا العلمين على بعض مسائلهما ، ولازم ذلك هو تداخل علمين في بعض مسائلهما ، فيجوز على قول المصنف ، ولا يجوز على قول من يقول بتمايز العلوم بالموضوعات. ولكن على فرض ترتب غرضين على جميع مسائل علمين بأن كان هناك غرضان متلازمان في الترتّب على جملة من القضايا ، فلا يجوز التداخل حتى على مذهب المصنف ؛ وذلك لانتفاء التمايز بين العلمين حينئذ ، فهذا الإشكال مشترك الورود ، ولا يختص بقول المشهور. ويمكن تقريب ذلك بالقياس الاستثنائي بأن يقال :
لو جاز تداخل بعض العلوم في بعض المسائل ممّا كان له دخل في مهمين ؛ لجاز تداخل علمين في تمام مسائلهما فيما إذا كان هناك مهمان متلازمان في الترتب على جملة من القضايا. والتالي باطل ؛ فإنّ التداخل مستلزم لانتفاء التمايز ، فالمقدم مثله إذ رفع التالي وبطلانه ينتج رفع المقدم وبطلانه.