المضارع ، لا يكون ماضيا أو مستقبلا حقيقة لا محالة ، بل ربما يكون في الماضي مستقبلا حقيقة وفي المضارع ماضيا كذلك ، وإنما يكون ماضيا أو مستقبلا في فعلهما بالإضافة ، كما يظهر من مثل قوله : يجئني زيد بعد عام ، وقد ضرب قبله بأيّام ، وقوله : جاء زيد في شهر كذا ، وهو يضرب في ذلك الوقت أو فيما بعده مما مضى ، فتأمل جيدا.
______________________________________________________
وأما وجه التأييد : فيوضح بعد ذكره مقدمة وهي : أن كلا من الماضي والمستقبل والحال على قسمين : الحقيقية والإضافية ، والمراد من الأولى : هو الماضي والحال والمستقبل بالنسبة إلى زمان النطق ، والإضافية هي الماضي والمستقبل والحال بالنسبة إلى أمر آخر ، مثلا : يجيئني زيد بعد عام وقد ضرب قبله بأيام ، ومثل : جاء زيد في شهر كذا وهو يضرب في ذلك الوقت أو فيما بعده مما مضى ؛ حيث إن المثال الأول مثال لاستعمال الماضي ـ وهو «ضرب» ـ في الزمان المستقبل حقيقة ، والمثال الثاني : مثال لاستعمال المضارع وهو ـ يضرب ـ في الزمان الماضي حقيقة ، لأن المفروض : مضي الشهر الذي هو أو ما بعده ظرف الضرب المستفاد من «يضرب» ، فإن «يضرب» في الجملتين في المثال الثاني ليس زمانه مستقبلا أو حالا بالنسبة إلى زمان النطق ، بل مستقبل بالنسبة إلى الشهر ، واستعمل في زمان الماضي حقيقة ؛ لأن جملة هو يضرب جملة حالية لاقترانها بالواو الحالية تكون حالا عن فاعل جاء ، فتكون قيدا للعامل وهو الفعل الماضي.
وكذلك «وقد ضرب» في المثال الأول جملة حالية لاقترانها بالواو الحالية تكون حالا عن فاعل يجئني وهو «زيد» ، والحال يكون قيدا للعامل وهو الفعل المضارع ؛ فيكون الضرب كالمجيء في المستقبل حقيقة ، فقد استعمل الماضي في المستقبل حقيقة.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن مرادهم من الماضي والحال والمستقبل المأخوذ في معنى الفعل هي الحقيقية منها لا الإضافية ، فحينئذ يلزم التجوّز في المثالين لعدم استعمال الماضي في الماضي الحقيقي ، ولا المضارع في المستقبل ؛ فلا بد من لحاظ العلاقة المصححة للمجازية مع إن أهل المحاورة لا يلاحظون في مثلهما علاقة المجاز ؛ هذا بخلاف ما ذكرنا من عدم دلالة الفعل على الزمان ، ولا يكون الزمان مأخوذا في مدلوله ، فلا يلزم المجاز حتى تلاحظ علاقة المجاز ، فلذا لا يلاحظون علاقة المجاز.
ثم إن ذكره تأييدا لا دليلا ؛ لاحتمال كون مرادهم من الماضي والحال والمستقبل : مطلقها لا الحقيقية منها ، ولكنه خلاف الظاهر ، فمجرد الاحتمال ـ مع كونه على خلاف الظاهر ـ لا يخرجه عن الدليلية ، ولعله لهذا أمر بالتأمل بقوله : «فتأمل جيدا».