ضرورة : أن مثل : «كان زيد ضاربا أمس» (١) ، أو «سيكون غدا ضاربا» (٢) حقيقة إذا
______________________________________________________
ولكل واحد من الأحوال الثلاثة ماض ومستقبل وحال ، فحاصل ضرب الثلاثة في الثلاثة هي تسعة ، ويتعين كل من الماضي والمستقبل بالنسبة إلى كل حال من الأحوال الثلاث بالقرينة ، وهي كلمة الأمس في الماضي ، والغد في المستقبل والآن في الحال.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه لا إشكال في كون المشتق حقيقة إن اتفقت هذه الأحوال الثلاث كقولنا : «زيد عالم الآن» مع كون زيد عالما حال النطق.
وأما مع الاختلاف فهناك احتمالان فيما هو المعيار في كون المشتق حقيقة : أحدهما : اتفاق زمان الجري والنسبة مع زمان التلبس. ثانيهما : اتفاق زمان النطق مع زمان التلبس ، والمحكي عن صريح بعض.
وإن كان العبرة في كون المشتق حقيقة هو اتفاق زمان النطق مع زمان التلبس إلّا إن الحق عند المصنف هو : اتفاق زمان الجري مع زمان التلبس ، فإن اتفق زمانهما كان إطلاق المشتق على نحو الحقيقة سواء كان زمانهما ماضيا مثل : «زيد ضارب أمس» إذا جعل أمس قيدا لكل من التلبس والجري ، أم كان مستقبلا مثل : «زيد ضارب غدا» إذا جعل ظرفا لكل من التلبس والجري معا.
وإن اختلف حال التلبس والجري : فإن اتحد زمان الجري والنطق ، ولم يتحقق التلبس بعد بأن كان مستقبلا مثل : «زيد ضارب غدا» إذا جعل غد قيدا للتلبس فقط ، دون الجري ؛ كان استعمال المشتق مجازا بلا خلاف ولا إشكال.
وإن اتحد زمان الجري والنطق وقد تحقق التلبس في الزمان الماضي مثل : «زيد ضارب أمس» إذا جعل ـ أمس ـ قيدا للتلبس فقط دون الجري ؛ فهو محل الخلاف ، وإن استعماله هل هو على نحو الحقيقة أو المجاز؟ فإن قلنا : بوضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدإ حال تلبسه به فهو مجاز ، وإن قلنا : بوضعه للأعم من حال تلبسه وحال انقضائه فهو حقيقة.
(١) أي : إطلاق المشتق كان على نحو الحقيقة إذا كان زيد متلبسا بالضرب في الأمس ؛ بأن كان الأمس قيدا لكل من الجري والتلبس.
(٢) أي : كان إطلاق المشتق على نحو الحقيقة إذا كان الغد ظرفا لكل من الجري والتلبس ؛ مع إنه لو كان المعيار هو زمان النطق لزم كون المشتق في كلا المثالين مجازا ؛ لعدم تلبس زيد بلباس الضرب في حال النطق.
وبالجملة : أن العبرة في كون استعمال المشتق حقيقة أو مجازا إنما هي بحال التلبس دون غيره ، فإن كان الجري بلحاظه بأن اتحد زمانهما كان حقيقة ؛ سواء كانا ماضيين أم مستقبلين أم حالين أي : متحدين مع زمان التكلم.