كان متلبسا بالضرب في الأمس في المثال الأول ، ومتلبسا به في الغد في الثاني ، فجري (١) المشتق حيث كان بلحاظ حال التلبس ، وإن مضى زمانه في أحدهما ، ولم يأت بعد في آخر كان حقيقة بلا خلاف ، ولا ينافيه (٢) الاتفاق على أن مثل : «زيد ضارب غدا» مجاز ، فإن الظاهر : أنه فيما إذا كان الجري في الحال ، كما هو قضية الإطلاق ، والغد إنما يكون لبيان زمان التلبس ، فيكون الجري والاتصاف في الحال ،
______________________________________________________
وأن المراد بالحال في عنوان المسألة هو حال التلبس لازمان النطق.
(١) فإسناد المشتق وحمله على الذات حيث كان بلحاظ حال التلبس كان حقيقة بلا خلاف ؛ وإن مضى زمان التلبس في أحد المثالين المذكورين ولم يأت زمانه في المثال الآخر ، ثم نفي الخلاف إنما يتمّ نظرا إلى ما هو الحق عند المصنف من أن العبرة بزمان الجري والنسبة ؛ لا حال النطق.
(٢) أي : لا ينافي ما تقدم من كون الإطلاق باعتبار حال التلبس في المثالين على نحو الحقيقة ؛ الاتفاق على مجازية مثل : زيد ضارب غدا ، مما يكون زمان التلبس فيه بعد زمان النطق. فقوله : «ولا ينافيه الاتفاق» دفع لتوهم التنافي فلا بد من توضيح التنافي حتى يتضح دفعه. فنقول في توضيح ذلك : إن ما ذكرتم من عدم الخلاف في كون المشتق في المثالين المزبورين ـ كان زيد ضاربا أمس ، أو سيكون غدا ضاربا ـ حقيقة ينافي الاتفاق على أن مثل : «زيد ضارب غدا» مجاز ، فكما أن مثل : «زيد ضارب غدا» مجاز بالاتفاق ؛ فكذلك مثل : «كان زيد ضاربا غدا» ، ومثل : «سيكون غدا ضاربا» مجاز بالاتفاق ، لأنّ الملاك في جميع هذه الأمثلة واحد ؛ وهو : تأخر حال التلبس عن زمان التكلم ، وحكم الأمثال فيما يجوز ولا يجوز واحد.
وحاصل الدفع : أن مورد الاتفاق أي : مثل «زيد ضارب غدا» ليس مثلا للمثالين ، كي يقال : إن حكم الأمثال فيما يجوز.
ولا يجوز واحد ، فكما أن إطلاق المشتق في مثل : «زيد ضارب غدا» مجاز بالاتفاق فكذلك في المثالين ، فيتحقق التنافي بين كون المشتق في المثالين حقيقة ، وفي المثال الثالث مجازا ، لأن الفرق بين المثالين وبين المثال الثالث أوضح من الشمس ؛ حيث إن الغد في مثل : «زيد ضارب غدا» قيد للتلبس فقط فيكون مجازا بالاتفاق. هذا بخلاف المثالين السابقين حيث يكون الغد قيدا لكل واحد من الجري والتلبس ؛ فيكون إطلاق المشتق بلحاظ حال التلبس وهو حقيقة كما مر. فقياس المثالين بما قام الإجماع على مجازيّته قياس مع الفارق وهو باطل.