وأما ترجيح (١) الاشتراك المعنوي على الحقيقة والمجاز ؛ إذا دار الأمر بينهما لأجل الغلبة ، فممنوع ؛ لمنع الغلبة أولا ، ومنع نهوض حجة على الترجيح بها ثانيا.
وأما الأصل العملي (٢) : فيختلف في الموارد ، فأصالة البراءة في مثل : «أكرم كل
______________________________________________________
شرعي بواسطة أو وسائط لكان أصلا مثبتا ، وهو لا يكون حجة إلّا على القول بالأصل المثبت.
(١) قوله : «وأما ترجيح الاشتراك المعنوي ...» إلخ دفع لما يتوهم : من أنه إذا دار أمر اللفظ بين كونه مشتركا معنويا بين معنيين أو أزيد ، وبين كونه حقيقة ومجازا ؛ بأن يكون حقيقة في أحدهما ، ومجازا في الآخر ؛ كان الترجيح مع الاشتراك المعنوي على الحقيقة والمجاز «لأجل الغلبة» أي : لأجل غلبة الاشتراك المعنوي ، ولازم ذلك : ثبوت وضع المشتق للأعم.
وحاصل الدفع : أن التوهم المذكور يدفع أولا : بمنع الصغرى لعدم ثبوت الغلبة ؛ إذ لم يثبت أكثرية المشترك المعنوي من الحقيقة والمجاز حتى يصار إليه بقاعدة : الظن يلحق الشيء بالأعم الأغلب.
وثانيا : بمنع الكبرى ؛ إذ لا دليل على الترجيح بالغلبة لو سلم ثبوتها ؛ وذلك لعدم الدليل على اعتبار الظن الحاصل من الغلبة حتى يرجح به القول بالاشتراك المعنوي ، فإن الترجيح فرع الحجية ، والشك في الحجية يكفي في عدم الترجيح به.
(٢) أي : وأما الأصل في المسألة الفرعية : فقد قال المصنف : بأنّه يختلف باختلاف الموارد ؛ بمعنى : أنه قد تكون نتيجته في بعض الموارد تلائم وتوافق الوضع للأخص ـ أعني : وضع المشتق للأخص ـ كما لو ورد : «أكرم كل عالم» ، وكان زيد قد انقضى عنه العلم قبل الإيجاب ؛ فإنه حيث يشك في صدق العالم عليه فعلا ـ للشك في الوضع ـ يشك في ثبوت الحكم له أيضا ؛ فتجري أصالة البراءة عن وجوب إكرامه ؛ للشك في التكليف ، فتنفي ثبوت الحكم له.
وقد تكون نتيجته تلائم وتوافق الوضع للأعم ـ كالمثال المزبور ـ بأن يكون زيد متلبسا بالعلم حال الإيجاب ، لكنه انقضى عنه بعد ورود الوجوب حين العمل ، فإنه حينئذ يشك في بقاء الحكم له ، فيستصحب وجوب إكرامه.
وبعبارة أخرى : أنه لو كان الإيجاب قبل انقضاء المبدأ ـ يعني : حين الأمر كان زيد متلبسا بالعلم وقبل الإكرام ، خرج من التلبس ـ فالاستصحاب يوجب الإكرام ؛ وذلك لأن زيدا كان داخلا في الأمر عند الإطلاق فتستصحب عالميته ويكرم ، أو يستصحب وجوب إكرامه للعلم به سابقا ، والشك فيه لاحقا فتتم أركان الاستصحاب.