إنها حدثت بين المتأخرين ، بعد ما كانت ذات قولين بين المتقدمين ؛ لأجل توهم : اختلاف المشتق باختلاف مباديه في المعنى ، أو بتفاوت ما يعتريه من الأحوال ، وقد مرت الإشارة (١) إلى أنه لا يوجب التفاوت فيما نحن بصدده ، ويأتي له مزيد بيان في أثناء الاستدلال على ما هو المختار وهو (٢) اعتبار التلبس في الحال (٣) ؛ وفاقا لمتأخري الأصحاب والأشاعرة (٤) ، وخلافا لمتقدميهم والمعتزلة (٥).
ويدل عليه (٦) : تبادر خصوص المتلبس بالمبدإ في الحال ، وصحة السلب مطلقا عما
______________________________________________________
(١) أي : وقد مرت الإشارة في الأمر الرابع إلى : أن اختلاف المبادئ فعلا وقوة وحرفة وملكة وصنعة ؛ «لا يوجب التفاوت فيما نحن بصدده» أي : من دلالة هيئة المشتق على خصوص المتلبس أو الأعم ، فعلى الأول : يكون الموضوع له هو المتلبس ، وعلى الثاني : يكون الموضوع له الأعم.
(٢) ومختار المصنف : اعتبار التلبس في الحال ، وهذا من المصنف شروع في بيان المذهب المختار.
(٣) أي : في حال الجري ؛ بأن يتحد زمان الحمل والتلبس كما مرّ غير مرة.
(٤) أي : أن الموضوع له للمشتق عند المصنف هو خصوص المتلبس بالمبدإ ؛ كما ذهب إليه الأشاعرة من العامة ، ومتأخر والأصحاب من الخاصة.
(٥) إن متقدمي الأصحاب والمعتزلة ذهبوا : إلى أن المشتق حقيقة للأعم من المتلبس ، وممن انقضى عنه المبدأ.
(٦) أي : يدل على ما هو المختار من كون المشتق حقيقة في المتلبس فقط أمور :
«الأول» : أن المشتق بسيط ـ على ما سيأتي ـ فهو حينئذ عين المبدأ باختلاف ما ، وحيث انقضى المبدأ فلا مبدأ حتى يحمل على الذات ويطلق عليها ، كي يقال : إن هذا الإطلاق هل هو على نحو الحقيقة أو المجاز؟
«الثاني» : تبادر خصوص المتلبس بالمبدإ في الحال ، مثلا : إذا قال المولى لعبده : «ادخل السوق ، واضرب كل قائم فيه ، وأعط درهما لكل قاعد» ، فإنه يتبادر خصوص القائم فعلا ، وخصوص القاعد فعلا حين دخوله في السوق. والحاصل : أن المتبادر من مثل القائم والضارب والعالم ونحوها هو : خصوص المتلبس بالقيام والضرب والعلم حين الحمل والإطلاق ، وأن التبادر أمارة الحقيقة.
«الثالث» : «وصحة السلب مطلقا» أي : سواء كان الحمل ذاتيا مثل : من انقضى عنه الضرب ليس ضاربا ، أو كان الحمل شائعا مثل : زيد المنقضي عنه الضرب ليس ضاربا ، فيصح سلب المشتق عمن انقضى عنه المبدأ كما في المثالين ، كما يصح سلب المشتق