فإنما هو لأجل تعدد المعاني المجازية بالنسبة إلى المعنى الحقيقي الواحد. نعم ؛ ربما يتفق ذلك (١) بالنسبة إلى معنى مجازي ، لكثرة الحاجة إلى التعبير عنه لكن أين هذا (٢) مما إذا
______________________________________________________
ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ١ ، ص ٢٧٥» ـ : أنه بعد تسليم مجازية أكثر المحاورات أن المقصود بهذه الكثرة هو تعدد المعاني المجازية بالنسبة إلى معنى حقيقي واحد كلفظ الأسد ؛ الموضوع لمعنى واحد مع استعماله في معان مجازية عديدة كالرجل الشجاع وغيره ، ومن المعلوم : أن هذه الكثرة الموجودة في المحاورات غير قادحة في الوضع لمعنى واحد ، وغير موجبة لكون الوضع للجميع ، بل المقصود بالكثرة القادحة في حكمة الوضع ، وغير الملاءمة لها هو : كون استعمال كل لفظ في المعنى المجازي الواحد أكثر من استعماله في معناه الحقيقي الواحد ، فإن هذه الكثرة لا تلائم حكمة الوضع وهي وضع اللفظ للمعنى الذي تكثر الحاجة إليه ، والمفروض : كون الحاجة إلى المعنى الانقضائي في المشتق أكثر من المعنى التلبسي ، فحكمة الوضع تقتضي وضع المشتق للأعم لا وضعه للأخص ، فكون المشتق مجازا في الأعم على خلاف حكمة الوضع كما تقدم ذلك في قوله : «إن قلت على هذا يلزم ...» إلخ. فهذا الإشكال في محله ، ولا يندفع بقوله : «لا يقال».
(١) أي : أكثرية الاستعمال في معنى اللفظ المجازي الواحد من الاستعمال في معناه الحقيقي كذلك ، وحاصله : أنه كما لا ينافي كثرة المجازات بالنسبة إلى معنى واحد حكمة الوضع ، ولا توجب الوضع للجميع ؛ كذلك لا ينافي حكمة الوضع كثرة الاستعمال في معنى مجازي واحد ، لكثرة الحاجة إليه إذا كانت من باب الاتفاق ، ولا توجب هذه الكثرة الاتفاقية الوضع للأعم ، لكن إذا كان الاستعمال المجازي في المعنى الواحد دائما كثيرا جدا ؛ كاستعمال المشتق في المنقضي عنه المبدأ ، فحكمة الوضع حينئذ تقتضي وضع اللفظ للأعم منه ومن المتلبس بالمبدإ ، حيث إن مجازيته في المنقضي عنه تنافي حكمة الوضع.
(٢) أي : أكثرية الاستعمال في المعنى المجازي من باب الاتفاق ، «مما إذا كان» الاستعمال المجازي «دائما كذلك» أي : كثيرا أو أكثر كما هو المدعى.
وخلاصة الكلام : أنه هناك فرق بين استعمال اللفظ في المعنى المجازي الكثير من باب الاتفاق ، وبين استعماله فيه دائما كالمشتق المستعمل في المنقضي عنه المبدأ ؛ فعلى الثاني : لا بد من البناء على كون استعماله في الكثير على نحو الحقيقة كاستعمال المشتق في المنقضي عنه المبدأ ؛ إذ كونه على نحو المجاز ينافي حكمة الوضع ، هذا بخلاف ما إذا كان الاستعمال في المعنى المجازي الكثير من باب الاتفاق فلا ينافي حكمة الوضع.