والتحقيق (١) أن يقال : إن مثل الناطق ليس بفصل حقيقي ، بل لازم ما هو الفصل وأظهر خواصه ؛ وإنما يكون فصلا مشهوريا منطقيا يوضع مكانه إذا لم يعلم نفسه ، بل لا يكاد يعلم ، كما حقق في محله.
ولذا (٢) ربما يجعل لأزمان مكانه إذا كانا متساوي النسبة إليه ؛ كالحساس
______________________________________________________
(١) أي : وأن التحقيق في الجواب عن الشق الأول ، وهذا إيراد من المصنف على الشريف بوجه آخر غير ما أورده الفصول عليه.
توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي :
أن الفصل على قسمين :
أحدهما : هو الفصل الحقيقي. وثانيهما : هو الفصل المشهوري. والفرق بينهما : أن الأول : ما يكون ذاتيا للشيء ومبدأ لصورته النوعية التي بها شيئيته.
والثاني : ما لا يكون ذاتيا للشيء ، بل من أظهر خواصه ، ولوازمه الحاكية عنه.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن إشكال دخول العرض العام في الفصل إنما يلزم على تقدير كون الناطق فصلا حقيقيا ، وليس الأمر كذلك ؛ بل هو لما كان من أظهر خواص الفصل الحقيقي سماه المنطقيون فصلا فيكون فصلا مشهوريا يوضع مكان الفصل الحقيقي. وعليه فلا بأس بأخذ مفهوم الشيء في مثل الناطق ، إذ اللازم منه أخذ عرض عام في عرض خاص ، ولا محذور فيه.
فالمتحصل : أن الناطق ليس فصلا حقيقيا حتى يلزم تقوّم الذاتي بالعرض من اعتبار مفهوم الشيء في مفهومه ؛ بل هو فصل منطقي مشهوري ، ولا يلزم من أخذ مفهوم الشيء في معنى الناطق إلّا دخول العرض العام في الخاصة لا بمعنى : دخوله في حقيقة الخاصة ، ضرورة : مباينته للخاصة كمباينته للفصل ، بل بمعنى : دلالة هيئة المشتق على العرض العام المقرون بالخاصة ؛ كدلالة الماشي المستقيم القامة على المشي المقرون باستقامة القامة.
(٢) أي : لأجل أن مثل الناطق ليس بفصل حقيقي ، بل لازم ما هو الفصل الحقيقي ربما يجعل لأزمان مكان الفصل الحقيقي إذا كان كل من اللازمين متساوي النسبة بالنسبة إليه ؛ كالحساس والمتحرك بالإرادة في تعريف الحيوان.
غرض المصنف من هذا الكلام : إقامة الشاهد على عدم فصلية ما يدعى كونه فصلا ؛ وذلك لامتناع أن يكون لشيء واحد فصلان أو جنسان في مرتبة واحدة ، وعليه : فلا يكون الحساس والمتحرك بالإرادة من الفصل الحقيقي للحيوان ، بل من لوازمه لجواز تعدد اللازم لملزوم واحد.