وذلك لأن الأوصاف قبل العلم بها أخبار ، كما أن الأخبار بعد العلم تكون أوصافا.
فعقد الحمل ينحل إلى القضية (١) ، كما أن عقد الوضع ينحل إلى قضية مطلقة
______________________________________________________
تقييديا ، فلا يصح أن يقال حينئذ : «الإنسان شاعر» ، بل يقال : «الإنسان الشاعر كاتب» ؛ لأنه حينئذ من الأوصاف ومن المركبات الناقصة التقييدية ، فلا فرق بين الأخبار والأوصاف إلّا بما قبل علم المخاطب ، وبعد علمه فالقول الذي يحكى عن النسبة قبل علم المخاطب بها يكون خبرا ، والقول الحاكي للنسبة بعد علم المخاطب بها يكون وصفا ؛ مثلا : إذا قيل «جاءني زيد العالم» فالعالم يكون وصفا لزيد إذا علم السامع بكون «زيد عالما» قبل هذا الكلام ، وأما إذا لم يعلم بكونه عالما قبل الأخبار : فالعالم يكون خبرا لزيد ، ولذا اشتهر عند النحاة : أن الأوصاف قبل العلم بها أخبار ، والأخبار بعد العلم بها أوصاف.
(١) أي : أن كل قضية مشتملة على عقدين ؛ أعني : عقد الوضع ، وعقد الحمل.
والأول : هو اتصاف الموضوع بوصفه العنواني مثل إنسانية الإنسان في قولنا : «الإنسان كاتب».
والثاني : هو اتصاف ذات الموضوع بوصف المحمول ، ثم عقد الحمل في المثال المزبور ينحل إلى القضية وهي : إنسان له الكتابة وهي ممكنة ، وقد تكون ضرورية في مثل :
«الإنسان ناطق» ؛ حيث ينحل عقد الحمل إلى الضرورية وهي «إنسان له النطق» ، هذا مما لا خلاف فيه. وإنما الخلاف فيما ينحل إليه عقد الوضع ـ وهو في المثال المذكور ـ الإنسان ـ ينحل إلى القضية وهي : «شيء له الإنسانية» ؛ مع كون الإنسان لفظا جامدا ، وهي قضية مطلقة عامة عند الشيخ أبي علي ابن سينا. وممكنة عامة عامة عند الفارابي.
وبعبارة واضحة : أن عقد الوضع ينحل إلى القضية وهي «شيء له الإنسانية» وهي قضية مطلقة عند الشيخ وممكنة عند الفارابي. والمطلقة العامة هي التي يحكم فيها بفعلية النسبة كما هي قضية إطلاق القضية.
وكيف كان ؛ فقد تظهر ثمرة الخلاف بين القولين في العكس المستوى للممكنتين ؛ حيث لا يصدق عكسهما على مذهب الشيخ ، ويصدق على مذهب الفارابي ؛ مثلا : إذا فرض أن مركوب زيد بالفعل منحصر في الفرس صدق كل حمار بالفعل مركوب زيد بالإمكان ، ولا يصدق عكسه وهو أن بعض مركوب زيد بالفعل حمار بالإمكان. لأن مركوبه بالفعل هو الفرس لا يمكن أن يكون حمارا. هذا بخلاف ما إذا كان عقد الوضع ينحل إلى الممكنة فيصدق عكسها ويقال : إن بعض مركوب زيد بالإمكان حمار بالإمكان ؛ إذ من الممكن أن يركب زيد حمارا.