فإنه بمعناه يأبى عن ذلك (١) ؛ بل إذا قيس ونسب إليه كان غيره ، لا هو هو ، وملاك الحمل والجري إنما هو نحو من الاتحاد والهوهوية ، وإلى هذا (٢) يرجع ما ذكره أهل المعقول في الفرق بينهما ؛ من أن المشتق يكون لا بشرط ، والمبدأ يكون بشرط لا ، أي : يكون مفهوم المشتق غير آب عن الحمل ، ومفهوم المبدأ يكون آبيا عنه ، وصاحب
______________________________________________________
مع زيد الأول الموضوع وجودا فيصح الحمل ويقال : «زيد ضارب» ، وعلى القول بالبساطة : يكون مفهومه منتزعا من الذات بلحاظ تلبسه بالمبدإ ؛ فأيضا يتحد مع الموضوع وجودا ، فيصح الحمل ؛ هذا بخلاف مفهوم المبدأ فإنه حدث محض لا يتحد مع الذات ، فلا يصح حمله على الذات ؛ إلّا مع التأويل ؛ إذ ملاك صحة الحمل هو الاتحاد.
(١) أي : المبدأ بمفهومه يأبى عن الحمل ؛ لعدم وجود شرط صحة الحمل وهو الاتحاد.
وحاصل الكلام : أن المشتق وإن كان بسيطا مفهوما إلّا إنه مركب من الذات والحدث بالتحليل العقلي ، فمفهوم «ضارب» وإن كان واحدا تصورا إلّا إنه في الحقيقة ذات ثبت له المبدأ ، أو ذات صدر عنه الضرب ، هذا بخلاف المبدأ والمصدر ؛ فإن معناه بسيط من حيث التصور والإدراك ، ومن حيث الماهية والحقيقة وهو الحدث فقط ؛ فلذا لا يتحد مع الذات ولا يحمل عليها ، فملاك الحمل ـ وهو نحو من الاتحاد ـ غير موجود في المبدأ ، وموجود في المشتق.
(٢) أي : إلى هذا الفرق وهو : وجود ملاك الحمل في المشتق دون المبدأ ؛ يرجع ما ذكره أهل المعقول في الفرق بينهما.
وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : إن للماهية بالنسبة إلى ما يقارنها من الخصوصيات اعتبارات ثلاث :
١ ـ قد تتصور «الماهية بشرط لا» ؛ أي : بأن لا يكون معها شيء من الأوصاف وتسمى مجردة.
٢ ـ قد تتصور «بشرط شيء» ؛ بأن تتصف بالأوصاف وتسمى مخلوطة.
٣ ـ قد تتصور «لا بشرط» ؛ بأن يتصور معناها مع تجويز كونها وحدها ، وكونها مع الأوصاف وتسمى مطلقة.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول في الفرق بين المشتق والمبدأ : إن مفهوم المشتق لوحظ على نحو لا بشرط ، ولذا يتحد وجودا مع الذات باعتبار كونه من توابع الذات ولواحقها ، وهذا النحو من الاتحاد كاف في صحة حمله عليها. هذا بخلاف مفهوم المبدأ فإنه لوحظ بشرط لا أي : بشرط أن لا يكون مع الذات ؛ بمعنى : كونه في مقابل