ولا يخفى : أنّ عدّ بعضها من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم (١).
______________________________________________________
وقد أنهاها بعض إلى خمسة عشر معنى منها : الحال نحو : «زيد أمره مستقيم» أي : حاله منتظم. ومنها : القدرة كما في قوله تعالى : (مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ)(١) أي : بقدرته. ومنها : الصنع كما في قوله تعالى : (أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ)(٢) أي : من صنع الله تعالى. وغيرها من المعاني تركنا ذكرها رعاية للاختصار.
(١) بعد ذكر المصنف للأمر معان عديدة استشكل على كون هذه المعاني كلها من معانيه ، وادعى أن عدّ بعضها من معانيه من باب اشتباه المصداق بالمفهوم.
توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : بيان الفرق بين المصداق والمفهوم. وخلاصته : أن المصداق عبارة عما صدق عليه اللفظ ؛ بأن يكون له معنى كلي مثل : رجل ـ مثلا ـ في قولنا : «جاءني رجل» ؛ حيث يصدق لفظ الرجل على زيد وبكر وخالد ، فزيد من مصاديق الرجل ، والمفهوم عبارة عما يفهم من اللفظ ، فمفهوم لفظ الرجل هو : الإنسان المذكر.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه لو عدّ أحد زيدا من معاني الرجل كان خطأ ؛ لأنه جعل المصداق مكان المفهوم ، فيكون هذا من باب اشتباه المصداق بالمفهوم ، والأمر فيما نحن كذلك.
وخلاصة ما أفاده المصنف : أن الأمر مشترك لفظي بين الطلب والشيء ، وأنّ عد ما سواهما من معاني الأمر من اشتباه المصداق بالمفهوم بمعنى : أنه لم يستعمل في الموارد المذكورة في المفهوم ، بل يراد منه ما هو مصداق المفهوم ، فيتخيل أنه مستعمل في المفهوم ، فإن لفظ الأمر في نحو : «جاء زيد لأمر كذا» لم يستعمل في مفهوم الغرض ، بل استعمل فيما هو مصداق الغرض واللام في «لأمر» قد دلت على الغرض نحو : اللام في قولك : ضربت زيدا للتأديب. وكذا إن الأمر في قولك : «وقع أمر كذا» لم يستعمل في مفهوم الحادثة ، بل استعمل فيما هو مصداق الحادثة.
وهكذا الحال في قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) ؛ فإن الأمر في الآية لم يستعمل في مفهوم الفعل العجيب ، بل فيما هو مصداق الفعل العجيب وهو هلاك قوم لوط ؛ لأن المراد هو الحادثة الخاصة ، والغرض الخاص والفعل العجيب الخاص ، والشأن الخاص الجزئي ، وهذه الأمور من مصاديق المفاهيم الكلية ، ولا تكون من مفهوم لفظ الأمر ،
__________________
(١) سورة الأعراف آية : ٥٤.
(٢) سورة هود آية : ٧٣.