ضرورة (١) : أن الأمر في «جاء زيد لأمر كذا» ما استعمل في معنى الغرض ؛ بل اللام قد دل على الغرض ، نعم ؛ يكون مدخوله مصداقه فافهم (٢) ، وهكذا الحال في قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) يكون مصداقا للتعجب ، لا مستعملا في مفهومه ، وكذا في الحادثة والشأن.
وبذلك (٣) ظهر ما في دعوى الفصول (*) ، من كون لفظ الأمر حقيقة في المعنيين
______________________________________________________
ومفهوم الأمر هو الطلب الذي هو عبارة عن السعي نحو المطلوب ؛ نحو : طلب الماء ، وطلب الغريم والضالة ، غاية الأمر : أنه تكون لكل واحد منها مصاديق وجزئيات عديدة.
نظير لفظ «الرجل» ؛ حيث يكون مفهومه اللغوي كل مفرد مذكر من الناس أي : كل ذات ثبت له الرجولية ، ولهذا المعنى الكلي مصاديق عديدة في الخارج ؛ فإذا استعمل لفظ «رجل» في زيد مثلا كان مستعملا في المصداق لا في المفهوم ، فكذا لفظ الأمر فيما نحن فيه.
(١) تعليل لقوله : «ولا يخفى». وحاصله : أن لفظ الأمر في جملة من الموارد المذكورة لم يستعمل في المفهوم أي : لم يجعل حاكيا عن المعاني وفانيا فيها على حد استعمال سائر الألفاظ في معانيها ، فإن الدال على الغرض هو اللام.
(٢) لعله إشارة إلى فساد كون اللام دالة على الغرض في نحو : «جاء زيد لأمر كذا» ؛ إذ اللام لا تدل عليه ، ولذا تدخل على نفس الغرض ويقال : «جاء زيد لغرض كذا» ، فلو كانت اللام دالة على الغرض كان المعنى جاء زيد غرض غرض كذا على نحو التكرار ؛ وهو بعيد في القرآن الكريم ، بل غير مستقيم «فالصحيح» أن يقال : إن الغرض والحادثة ونحوهما إنما يعرف من خصوصيات المقام ، فمن التعبير بقوله : «وقع أمر كذا» يعرف : أن الأمر الواقع حادثة من الحوادث ، ومن التعبير بقوله : «جاء زيد لأمر كذا» يعرف : أن الأمر الذي جاء زيد لأجله هو غرض من الأغراض وهكذا في غيرهما.
(٣) أي : بما ذكرنا من الفرق بين المفهوم والمصداق ظهر : فساد دعوى صاحب الفصول ؛ من كون لفظ الأمر حقيقة في الطلب والشأن.
وحاصل ما أفاده المصنف من الاعتراض على صاحب الفصول هو : أن لفظ الأمر لم يستعمل في مفهوم الطلب ومفهوم الشأن حتى يصح عدهما من معاني لفظ الأمر ، بل استعمل في مصداقهما دائما ، فاشتبه عند صاحب الفصول المصداق بالمفهوم ، ثم ادعى كون لفظ الأمر حقيقة في الطلب والشأن ، وهذه الدعوى منه غير مسموعة ؛
__________________
(*) الفصول الغروية ، ص ٦٣ ، س ٣٥.