الأمر الثاني
الوضع هو نحو اختصاص (١) للفظ بالمعنى ، وارتباط خاص بينهما ناش من تخصيصه به تارة ، ومن كثرة استعماله فيه أخرى ، وبهذا المعنى صح تقسيمه إلى التعييني والتعيّني ، كما لا يخفى. ثم إنّ الملحوظ حال الوضع (٢) : إمّا يكون معنى عاما ، فيوضع اللفظ له تارة ، ولأفراده ومصاديقه أخرى.
______________________________________________________
مبحث الوضع
(١) هذا التعريف للوضع تعريف بما هو لازم معناه ، وليس تعريفا لحقيقة الوضع ، لأنّه بمعناه المصدري عبارة عن تخصيص اللفظ بالمعنى إمّا بالإنشاء مثل أن يقول : وضعت هذا اللفظ لهذا المعنى ، أو بالتعهد بأن يقول : متى أردت تفهيم هذا المعنى استعمل هذا اللفظ فيكون الوضع عندئذ من صفات الواضع. وما ذكره المصنف هو الوضع بمعناه الاسم المصدري ، فيكون من صفات اللفظ ، وهو لازم الوضع بمعناه المصدري ؛ فإن اختصاص اللفظ بالمعنى يشمل ما إذا حصل الاختصاص المذكور بالإنشاء ، أو التعهد أو كثرة الاستعمال.
ولعل الوجه في تعريف الوضع بلازم معناه المصدري هو ما أشار إليه بقوله : «وبهذا المعنى صح تقسيمه إلى التعييني والتعيّني» ، فإنّ الوضع بمعنى : اختصاص اللفظ بالمعنى قابل للتقسيم إليهما. أو كان الوجه فيه خوف الطعن ، لأنّ تعريف الوضع بالمعنى المذكور يتناسب مع جميع الاحتمالات ، والأقوال في دلالة اللفظ على المعنى بأنّها ذاتية أو وضعية ، وعلى الثاني : هل الواضع هو الله أو الإنسان؟
وكيف كان ؛ فقد وقع الخلاف في حقيقة الوضع المتحقق بين اللفظ والمعنى بأنّه تخصيص أو تعهد من الواضع أو غيرهما. ولكن تركنا تفصيل الكلام في المقام خوفا من لزوم التطويل.
(٢) أي : الوضع باعتبار تصور الموضوع له على أربعة أقسام.
وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أنّ الوضع هو : الربط بين اللفظ الموضوع والمعنى الموضوع له فلا بد للواضع أن يلاحظ اللفظ والمعنى ، ثم المعنى المتصور حال الوضع إمّا كلي وعام ، أو جزئي وخاص ، وعلى كلا التقديرين : اللفظ إما يوضع للعام أو الخاص ، فهذه أقسام أربعة. ثم هذه الأقسام تختلف ؛ منها : ما لا خلاف في إمكانه ووقوعه ومنها : ما لا خلاف في إمكانه ، وإنّما الخلاف في وقوعه ، ثم في مصداقه. ومنها : ما وقع الخلاف في إمكانه ، والمشهور عدم إمكانه وهو رأي المصنف.