الجهة الثالثة (١):
لا يبعد كون لفظ الأمر حقيقة في الوجوب ؛ لانسباقه عنه عند إطلاقه ،
______________________________________________________
٢ ـ أن القول : بكفاية الاستعلاء في صدق الأمر ـ وذلك لصدق الأمر على طلب السافل ـ مردود لعدم الدليل عليه أولا ، وصحة سلب الأمر عنه ثانيا.
٣ ـ أن إطلاق الأمر على طلب السافل ليس على نحو الحقيقة بل على نحو المجاز ؛ لأن الاستعمال أعم من الحقيقة.
فإن قلت : إنه لا بد من العلاقة التي تصحح المجازية وهي مفقودة في المقام.
قلت : إن العلاقة هي علاقة المشابهة ؛ إذ كل واحد من طلب العالي والسافل مشابه للآخر في كونه طلب الفعل عن الغير ، والمصنف لم يتعرض لبعض الأقوال أصلا ؛ لأن حال بعض الأقوال يعلم من اختياره القول الأوّل في معنى الأمر ؛ وهو اعتبار العلو الواقعي في صدق الأمر.
في كون الأمر حقيقة في الوجوب
(١) هذه الجهة هي المطلب الثالث ؛ من المطالب التي ذكرت إجمالا في أول البحث.
وعرفت في الجهة الثانية : أن الأمر معناه الطلب من العالي ، ولكن لم يعلم : أنه هل هو خصوص الطلب الإلزامي والذي يكون بنحو الوجوب ، أو الأعم منه ومن الطلب الندبي ، أو أنه خصوص الطلب الندبي.
والغرض من عقد هذه الجهة الثالثة هو تفصيل : ما أجمله المصنف في الجهة الثانية ، وبيان أن الأمر حقيقة في خصوص الطلب الوجوبي.
وكيف كان ؛ فقد ذهب المصنف إلى أن لفظ الأمر حقيقة في الوجوب ؛ مستدلا على ذلك بوجهين :
الأول : تبادر الوجوب من الأمر. وقد أشار إليه بقوله : «لانسباقه عنه عند إطلاقه» أي : لانسباق الوجوب عن لفظ الأمر عند الإطلاق ، والانسباق هو التبادر المثبت للوضع.
الثاني : هو صحة الاحتجاج على العبد ، ومؤاخذته بمجرد مخالفة الأمر ؛ كما أشار إليه بقوله الآتي : «وصحة الاحتجاج على العبد ...» إلخ ، ثم أيّده ببعض الاستعمالات التي نوقش في دلالتها في الكتب المبسوطة ؛ ولذلك جعلها تأييدا ومقربا لا دليلا وشاهدا.