واختلافهما (١) في ذلك ألجأ بعض أصحابنا إلى الميل إلى ما ذهب إليه الأشاعرة ؛ من المغايرة بين الطلب والإرادة ، خلافا لقاطبة أهل الحق والمعتزلة من اتحادهما ، فلا بأس بصرف
______________________________________________________
الحقيقية القائمة بالنفس ، فالاختلاف بين الطلب والإرادة إنما هو فيما ينصرف إليه كل منهما ؛ لأن المعنى الذي ينصرف إليه الطلب هو الإنشائي ، والذي تنصرف إليه الإرادة حين إطلاقها هو الإرادة الحقيقية ، وإلّا فلا فرق بينهما ذاتا ؛ بمعنى : أن مفهوم الإرادة عين مفهوم الطلب ، والإرادة الإنشائية عين الطلب الإنشائي ، والإرادة الحقيقية عين الطلب الحقيقي ، فكل من هذين اللفظين موضوع لمعنى واحد وهو الطلب الجامع بين الحقيقي والإنشائي.
ومن هنا يمكن الجمع بين كلمات الأشاعرة والعدلية : بأن مراد الأشاعرة من المغايرة هي المغايرة بين الإرادة الحقيقية والطلب الإنشائي.
ومراد العدلية من الاتحاد : هو الاتحاد بين الإنشائيين والحقيقيين منهما. ولعل غرض المصنف في هذا البحث ـ بعد إثباته واختياره بأن المقصود بالطلب الذي يكون معنى الأمر ليس الطلب الحقيقي ، بل الإنشائي منه ـ هو الجمع بين كلمات الأشاعرة والعدلية من المتكلمين فيما اختلفوا فيه ؛ من المغايرة بينهما كما ذهب إليه الأشاعرة ، ومن الاتحاد كما ذهب إليه العدلية.
وكيف كان ؛ فحاصل الكلام في الأمر الأول : إن معنى لفظ الأمر ليس هو الطلب الحقيقي ، بل هو الطلب الإنشائي.
(١) أي : اختلاف الطلب والإرادة في المعنى المنصرف إليه ؛ حيث ينصرف لفظ الطلب إلى الإنشائي ، ولفظ الإرادة إلى الحقيقي ؛ أي : اختلافهما في الانصراف «ألجأ بعض أصحابنا» كصاحب الحاشية المعروفة على المعالم «إلى الميل إلى ما ذهب إليه الاشاعرة» من العامة «من المغايرة بين الطلب والإرادة» حقيقة ، «خلافا لقاطبة أهل الحق» أي : الشيعة الإمامية «والمعتزلة من» العامة ، فإنهم ذهبوا إلى اتحادهما.
وحيث انجرّ البحث إلى الأمر الثاني أعني : الخلاف بين الأشاعرة والعدلية في تغاير الإرادة والطلب واتحادهما ، فلا بد من بسط الكلام في هذا المقام ؛ كي يتضح ما هو الحق في المقام من الاتحاد وعدمه.
وقبل بيان ما هو الحق في المقام نبين ما هو محط نظر المعتزلة والاشاعرة فنقول : إن ما هو مدار كلام الأشاعرة ومختارهم : أن للمتكلم بالكلام اللفظي صفة قائمة بنفسه سوى العلم والإرادة والكراهة ، ويسمونها بالكلام النفسي ، ويسمى الكلام النفسي طلبا حقيقيا