.................................................................................................
______________________________________________________
في خصوص الأوامر ، وزجرا حقيقيا في خصوص النواهي ، ويكون هذا الزجر الحقيقي منشأ للزجر الإنشائي ، وذاك الطلب الحقيقي منشأ للطلب الإنشائي ، وذلك الكلام النفسي منشأ للكلام اللفظي ، وقد قيل :
«إن الكلام لفي الفؤاد وإنما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا» |
وما هو محط نظر المعتزلة نفي تلك الصفة النفسانية المغايرة للعلم والإرادة والكراهة ؛ بدعوى : أن الموجود في أذهاننا عند الإخبار هو صفة العلم فقط ، وعند الأمر أو النهي هو الإرادة أو الكراهة فقط ، وليس في أذهاننا في قبال العلم والإرادة والكراهة شيء يسمى بالكلام النفسي ، أو الطلب الحقيقي أو الزجر الحقيقي.
فنزاع الفريقين إنما هو في ثبوت صفة نفسانية في قبال العلم والإرادة والكراهة ، فالمعتزلة تنفيها وتقول : إن المنشأ للكلام اللفظي ليس سوى العلم أو الإرادة أو الكراهة ، والأشاعرة تثبتها وتقول : إنها المنشأ للكلام اللفظي والأمر والنهي.
فاتضح بذلك : أن النزاع بينهما لا يكون لفظيا كما يظهر من المصنف «قدسسره» ، ولا يكون لغويا بمعنى : أن لفظي الطلب والإرادة هل هما مترادفان ، أو لكل منهما معنى مغاير لمعنى الآخر ، بل النزاع بينهما في ثبوت صفة نفسانية.
فالأشاعرة : يثبتون صفة نفسانية في قبال العلم والإرادة والكراهة ؛ تسمى هذه الصفة في باب الأوامر طلبا ، فتكون حقيقة الطلب ـ الذي هو صفة نفسانية ـ عندهم مغايرة لحقيقة الإرادة التي هي أيضا صفة نفسانية.
وأما العدلية : فينكرون ثبوت تلك الصفة النفسانية ، فيكون الطلب عندهم متحدا مع الإرادة ، لا بمعنى : أن لنا طلبا وإرادة يكونان من صفات النفس وقد اتحدا ، بل بمعنى : أنه لا طلب لنا يكون من صفات النفس في قبال الإرادة ، فيكون الطلب في كل مرتبة هو عين الإرادة في تلك المرتبة.
نعم ؛ إن العالم المحقق الشيخ محمد تقي الاصفهاني صاحب الحاشية لما صادف عنوان اتحاد الطلب والإرادة ، وكان المتبادر إلى ذهنه من لفظ الطلب : الطلب الإنشائي ، ومن لفظ الإرادة : الصفة النفسانية الخاصة ؛ حكم بتغاير الطلب والإرادة ، وتخيل : أنه وافق في هذه المسألة الأشاعرة ، وخالف المعتزلة والإمامية مع وضوح أنهم لم ينازعوا في أن الطلب الإنشائي هل هو مغاير للإرادة النفسانية أو متحد معها؟ لأن التغاير بينهما أظهر من الشمس ؛ بل نازعوا ـ كما عرفت ـ في ثبوت صفة نفسانية في قبال العلم