وبالجملة (١) : هما متحدان مفهوما وإنشاء وخارجا ، لا أن (٢) الطلب الإنشائي الذي هو المنصرف إليه إطلاقه ـ كما عرفت ـ متحد مع الإرادة الحقيقية ؛ التي ينصرف إليها إطلاقها أيضا (٣) ضرورة (٤) : أن المغايرة بينهما أظهر من الشمس ، وأبين من الأمس.
______________________________________________________
هذا بخلاف الطلب ؛ فإن له معنى قابلا لأن يوجد بالإنشاء وهو البعث والتحريك ؛ إذ ليس معنى الطلب سوى البعث والتحريك نحو العمل ، وهما كما يحصلان بالتحريك الفعلي بأن يأخذ الطالب بيد المطلوب منه ، ويجره نحو العمل بالمقصود فيسمى حقيقيا ، فكذلك يحصلان بالتحريك القولي ؛ بأن يقول الطالب : «اضرب» أو : «أطلب منك الضرب» ، أو «آمرك بكذا» مثلا ، فيسمى الطلب إنشائيا. فقول الطالب : «افعل كذا» بمنزلة أخذه بيد المطلوب منه ، وجره نحو العمل المقصود.
فالمتحصل مما ذكرناه : أن حقيقة الإرادة مغايرة لحقيقة الطلب ؛ فإن الإرادة من الصفات النفسانية غير قابلة للإنشاء ؛ بخلاف الطلب فإنه عبارة عن تحريك المطلوب منه نحو العمل المقصود إما تحريكا عمليا أو تحريكا إنشائيا ، ولا ارتباط لهذا المعنى ـ بكلا قسميه ـ بالإرادة التي هي من صفات النفس.
نعم ؛ الطلب ـ بكلا معنييه ـ مظهر للإرادة ومبرز لها. ولا يخفى : إن ما ذكرناه من اختلاف الطلب والإرادة مفهوما ليس القول بالموافقة مع الأشاعرة ؛ إذ نزاع الأشاعرة مع العدلية ليس في اختلاف الطلب والإرادة مفهوما ، أو اتحادهما كذلك ؛ بل في وجود صفة نفسانية أخرى في قبال الإرادة وعدم وجودها.
(١) يقول المصنف باتحاد الطلب والإرادة في كل مرتبة ؛ بمعنى : أن الطلب المفهومي متحد مع الإرادة المفهومية ، والطلب الحقيقي الخارجي متحد مع الإرادة الحقيقية ، والطلب الإنشائي متحد مع الإرادة الإنشائية.
(٢) هذا إشارة إلى اختلاف الطلب والإرادة ، مع اختلاف المرتبة ، ولذا لا يكون الطلب الإنشائي الذي ينصرف إليه لفظ الطلب متحدا مع الإرادة الحقيقية ؛ التي ينصرف إليها لفظ الإرادة عند الإطلاق.
(٣) كانصراف لفظ الطلب إلى خصوص الطلب الإنشائي.
(٤) تعليل لعدم اتحاد الطلب الإنشائي مع الإرادة الحقيقية.
وجه المغايرة : أن الطلب الإنشائي هو الطلب الاعتباري ؛ المتحقق بقول تارة ، وبفعل أخرى ، بخلاف الإرادة الحقيقية التي هي الصفة القائمة بالنفس الناشئة عن أسباب خاصة ، فأين أحدهما من الآخر وكيف يتحدان مع ما بينهما من المغايرة؟