بالإيمان ، بل مطلق أهل العصيان في العمل بالأركان ؛ إما أن لا يكون هناك تكليف جدي ، إن لم يكن هناك إرادة ؛ حيث إنه لا يكون حينئذ طلب حقيقي ، واعتباره في الطلب الجدي ربما يكون من البديهي ، وإن كان هناك إرادة فكيف تتخلف عن المراد؟ ولا تكاد تتخلف إذا أراد الله شيئا يقول له : كن فيكون.
وأما الدفع (١) فهو : أن استحالة التخلف إنما تكون في الإرادة التكوينية وهي العلم
______________________________________________________
الثاني : أن التكليف الحقيقي يعتبر فيه الطلب الحقيقي ، ونظرا إلى اتحاد الطلب الحقيقي مع الإرادة الحقيقية تعتبر فيه الإرادة الحقيقية أيضا ، ولازم ذلك : اعتبار الإرادة الحقيقية في التكليف الحقيقي.
الثالث : أنّنا نعلم بالضرورة من الدين : بأن الكفار وأهل العصيان مكلفون بما كلف به أهل الإطاعة والإيمان.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه بناء على اتحاد الطلب والإرادة وعينيتهما يلزم أحد المحذورين في باب تكليف الكفار بالإيمان ، والعصاة بالعمل بالأركان :
الأول : كون التكليف صوريا إذا لم يكن هناك إرادة.
والثاني : تخلف المراد عن الإرادة إذا كان التكليف حقيقيا وجديّا ، وكلاهما باطل ، فالقول باتحادهما أيضا باطل.
أما بطلان الأول : فلكونه خلاف الإجماع القائم على أن الكفار والعصاة معاقبون على الكفر والعصيان ، فلا محيص عن كونهم مكلفين بالتكليف الحقيقي وهو خلف.
أما بطلان الثاني : ـ وهو كون التكليف حقيقيا وجديّا ـ فلاستلزامه تخلّف المراد عن الإرادة ، إذ المفروض : كون الطلب الحقيقي عين الإرادة الحقيقية ، فإنه تعالى أراد منهم الإيمان والعمل بالفروع ، فلم يؤمنوا ولم يعملوا ، فيلزم التخلّف وهو مستحيل لقوله تعالى : (إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(١) ، فلا محيص حينئذ عن تغاير الطلب والإرادة ، والالتزام بوجود الطلب الحقيقي في تكليف الكفار والعصاة ؛ دون الإرادة الحقيقية ، فيكون تكليفهم حقيقيا لا صوريا ؛ وذلك يكشف عن وجود صفة أخرى له تعالى سوى الإرادة حتى تكون تلك الصفة منشأ لأوامره اللفظية ، وتسمى بالطلب الحقيقي. ومن هنا يعلم تغاير الطلب الحقيقي والإرادة الحقيقية.
(١) توضيح الدفع يتوقف على مقدمة وهي : أن لله تعالى إرادتين : إرادة تكوينية ، وإرادة تشريعية.
__________________
(١) يس آية : ٨٢.