تكاد تتخلّف عن المراد ، فلا يصح أن يتعلق بها (١) التكليف ؛ لكونها خارجة عن الاختيار المعتبر فيه عقلا.
قلت (٢) : إنما يخرج بذلك (٣) عن الاختيار لو لم يكن تعلق الإرادة بها (٤) مسبوقة بمقدماتها الاختيارية ، وإلّا فلا بد من صدورها بالاختيار ، وإلّا (٥) لزم تخلّف إرادته عن
______________________________________________________
(١) أي : بالكفر والعصيان والإطاعة والإيمان ؛ لكون هذه الأمور خارجة عن الاختيار ؛ الذي هو شرط في التكليف عقلا.
(٢) توضيح ما أفاده من الجواب عن إشكال الجبر يتوقف على مقدمة وهي : أن إرادته تعالى التكوينية تارة : تتعلق بفعل العبد مطلقا أي : سواء أراد العبد ذلك الفعل أم لا ؛ فقد يوجد الفعل حينئذ من دون إرادته واختياره ؛ لوجوب صدوره عنه بعد صيرورته مرادا تكوينيا له تعالى. وأخرى : تتعلق بفعل العبد بما له من المبادئ الاختيارية ؛ الموجبة لكون فعله اختياريا وصادرا عنه عن إرادة واختيار.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن فعل العبد في الصورة الأولى وإن لم يكن اختياريا إذ المفروض : أنه لا تؤثر قدرته وإرادته فيه أصلا ؛ إلّا إنه لم تتعلق إرادته تعالى التكوينية بصرف صدور الفعل عن العبد مطلقا حتى يلزم الجبر ، بل تعلقت بصدوره عنه مسبوقا بإرادته واختياره. فيكون فعله حينئذ اختياريا ، ولا معنى لنفي الاختيار.
نعم ؛ اختيار العبد الكفر والعصيان إنما هو مستند إلى سوء اختياره وشقاوته ؛ لا إلى إرادته تعالى التكوينية حتى يقبح التكليف بالإيمان ، والعقاب على الكفر.
(٣) أي : بتعلق الإرادة التكوينية الإلهية بالإيمان وغيره.
(٤) أي : الكفر والعصيان والإيمان والإطاعة. والضمير في «بمقدماتها» أيضا يرجع إلى هذه الأمور.
وحاصل الجواب : أن أفعال العباد لا تتعلق بها الإرادة التكوينية لا وجودا ولا عدما ، فللعبد صفة الاختيار بحيث أنه يفعل باختياره ، أو يتركه باختياره ؛ فإن الله تعالى لا يوجد فعل العبد ولا يمنع عن فعل العبد ، وعلى فرض تسليم تعلقها بها وجودا فكانت تتعلق بها مسبوقة بمقدماتها الاختيارية ، فلا بد حينئذ من صدورها بالاختيار ؛ كما أشار إليه بقوله : «وإلّا» أي : لو كان تعلق الإرادة التكوينية بالإيمان وغيره بمباديها الاختيارية ، فلا بد من صدور الإيمان وغيره بالاختيار ، كما في «منتهى الدراية ، ج ١ ، ص ٤٠٣».
(٥) أي : وإن لم تصدر العناوين المذكورة بالاختيار ـ مع تعلق إرادته تعالى التكوينية بصدورها من العبد باختياره ـ لزم تخلف إرادته تعالى عن مراده إذ المفروض : أن إرادته