في الخبر والذاتي لا يعلل (١) ، فانقطع سؤال : أنه لم جعل السعيد سعيدا والشقي شقيا؟
فإن السعيد سعيد بنفسه ، والشقي شقي كذلك ، وإنما أوجدهما الله تعالى «قلم اينجا رسيد سر بشكست» (٢) ، قد انتهى الكلام في المقام إلى ما ربما لا يسعه كثير من الأفهام ، ومن الله الرشد والهداية ، وبه الاعتصام.
______________________________________________________
ينقطع السؤال لأن الذاتي لا يعلل ، فلا يقال : لم اختار المؤمن الإيمان ، والكافر الكفر ؛ إذ المفروض : أنهما من لوازم ذاتهما ، وإلى هذا يشير الحديث المعروف «السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه» و «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة».
فعلى هذا لا يلزم الجبر بالمعنى الذي يقول به الأشاعرة ؛ من أن أفعال العباد كلها من الله ، وأوجدها بواسطة العباد ، والعبد بمنزلة آلة لها. نعم ؛ يلزم الجبر بالمعنى الآخر أعني : الجبر الأخلاقي ، لأن الفعل ليس باختيار المكلف لو كان ناشئا من شقاوته الذاتية ، ولكن نظر المصنف إنما هو إلى ردّ الجبر المشهور المنسوب إلى الأشاعرة ؛ فإنه قد أجاب عن هذا الجبر بما يرجع إلى الجبر الأخلاقي. ولازم ذلك : أن الثواب والعقاب ليسا لأجل الاستحقاق ؛ بل هما من اللوازم الذاتية للأفعال الحسنة والقبيحة ؛ المنتهية إلى الشقاوة والسعادة الذاتيتين ؛ كما هو رأي جماعة من الفلاسفة.
(١) أي : معناه ما عرفت من : أن ماهيات الأشياء التي هي مواد الموجودات ليست مجعولات ، بل هي بنفسها متقررة في عالمها ، فالشقي شقي بنفسه لا أنه تعالى جعله شقيا بإرادته التكوينية ليقبح تكليفه وعقابه ، فكفره مستند إلى شقاوته الذاتية. نعم ؛ لو قلنا : بأن الله تعالى جعل الشقي شقيا يلزم الجبر ولا يجدي في دفعه ما قيل من : أن الذاتي لا يعلل. فتدبر.
فالمتحصل من كلام المصنف : أن السعادة والشقاوة ذاتيتان للناس ؛ كذاتية الذهبية والفضيّة للذهب والفضة ، والعقاب إنما بتبعة الكفر والعصيان وهما مستندان إلى الاختيار ، والاختيار إلى مقدماته ، ومقدماته إلى الشقاوة ، والشقاوة ذاتية ، والذاتي لا يعلل نظرا إلى ما عرفته من كون الذاتيات ضرورية الثبوت للذات.
(٢) أي : قلم اينجا رسيد سر بشكست جون بيرون از حد خود نوشت ، لأن حد القلم ووظيفته في المقام تحرير مسائل الأصول وقواعدها ؛ لا تحرير مسائل الكلام والاعتقاد ، لا سيما مسألة القضاء والقدر التي لا تدركها العقول ، ولا تسعها الأفهام ، فإن كل شيء إذا انحرف عن مسيره يقع في ورطة وفي معرض الحوادث. هذا في غير الأمور الاعتقادية. وأما في الأمور الاعتقادية : فالانحراف ربما يؤدي إلى الهلاك الدائم