ثبوتها حقيقة ، بل لأمر آخر حسبما يقتضيه الحال من إظهار المحبة (١) ، أو الإنكار (٢) ، أو التقرير (٣) إلى غير ذلك (٤).
ومنه (٥) ظهر : إن ما ذكر من المعاني الكثيرة لصيغة الاستفهام ليس كما ينبغي أيضا.
______________________________________________________
الداعي في غيره تعالى يمكن أن يكون إظهار ثبوت هذه الصفات حقيقة ، ولكن في كلامه تعالى لا يستعمل لإظهار ثبوتها حقيقة ؛ بل يكون الاستعمال لأمر آخر.
(١) كقوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) عقيب الأمر بالإيمان ؛ فإن المقام يناسب محبوبية ما يقع عقيب «لعل».
(٢) كقوله تعالى : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ.) الإسراء : ٤٠. وقوله تعالى : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ.) الصافات : ٩٥ ، فإن المقام يناسب كون إنشاء مفهوم الاستفهام بداعي الإنكار والتوبيخ.
(٣) أي : كقوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)(١) فإن المقصود من التقرير هو : جعل المخاطب مقرّا لكي يأخذه بإقراره ، فينزل المتكلم العالم نفسه منزلة المتردد الشاك لكي يتوصل إلى ذلك المقصود.
(٤) أي : مثل التهكم كقوله تعالى : (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا.) هود : ٨٧. والتعجب كقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ.) الفرقان : ٤٥.
(٥) أي : ومما ذكرناه في الإيقاظ من أن للصيغ الإنشائية كصيغة الأمر معنى واحد ؛ وهو إنشاء مفاهيمها ، والاختلاف والتعدد إنما هو في الدواعي ، وهو لا يوجب تعددا في المعاني ، أن للاستفهام معنى واحدا وهو إنشاء مفهومه ـ ظهر ـ أن ما ذكره علماء الأدب من أن للاستفهام عدة معان ليس في محله ؛ إذ المفروض : أن المستعمل فيه في صيغة الاستفهام واحد وهو الإنشاء ، والاختلاف إنما يكون في الدواعي من الاستفهام الحقيقي والإنكاري وغيرهما ، وهذا الاختلاف لا يوجب استعمال الاستفهام في المعاني المتعددة ، فلا ينبغي جعلها من معاني الاستفهام كما هو ظاهر كلمات علماء العربية كما عرفت من المغني.
خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدسسره»
يتلخص البحث في أمور :
١ ـ أنه قد ذكرت لصيغة الأمر معان عديدة ، وادعي استعمالها فيها ، وقد عدّ منها الترجي والتمني والتهديد وغيرها.
__________________
(١) الانشراح : ١.