قلت : ـ مع امتناع اعتباره (١) كذلك ، فإنه (٢) يوجب تعلق الوجوب بأمر غير اختياري ؛ فإن الفعل وإن كان بالإرادة اختياريا إلّا إن إرادته حيث لا تكون بإرادة أخرى ـ وإلّا لتسلسلت ـ ليست باختيارية كما لا يخفى ، إنما (٣) يصح الإتيان بجزء
______________________________________________________
(١) أي : قصد الامتثال أي : الإرادة «كذلك» أي : جزءا متعلقا للوجوب.
(٢) أي : فإن اعتبار قصد الامتثال وقصد القربة جزءا للواجب يوجب تعلق الوجوب بأمر غير اختياري. فقوله : «فإنه يوجب ...» إلخ ؛ بيان لامتناع اعتبار قصد الامتثال جزءا للواجب.
توضيح ذلك على ما في «منتهى الدراية ، ج ١ ، ص ٤٦٧» أن قصد امتثال الأمر ليس إلّا إرادة الفعل عن أمره ، بحيث يكون الداعي إلى الإرادة ذلك الأمر ، والإرادة ليست اختيارية حتى يصح أن تقع في حيّز الأمر ، إذ لو كانت اختيارية لتوقفت على إرادة أخرى ؛ إذ كل أمر اختياري لا بد وأن تتعلق به الإرادة ليكون اختياريا ، فيلزم تسلسل الإرادات ، فلا بد في دفع هذا المحذور من جعل الإرادة غير اختيارية ، وحينئذ يمتنع تعلق التكليف بها عقلا.
وعليه : فلا يمكن أن يكون قصد القربة دخيلا على نحو الجزئية للمأمور به ، إذ دخله كذلك يوجب التكليف بغير المقدور ، فلا يكون دخيلا جزءا في المتعلق كدخل سائر الأجزاء فيه حتى ينحل الأمر بالمركب إلى الأمر بذات الفعل كالصلاة ، والأمر بجزئه الآخر وهو قصد الامتثال ، ومع عدم الانحلال لا يتعلق أمر ضمني بنفس الفعل حتى يؤتى به بقصد أمره كما مرّ.
(٣) أي : هذا مقول قوله : «قلت :» ؛ وهو الجواب الأصلي عن الإشكال ، إلّا إن مفهوم هذا هو : إمكان أخذ القربة شرطا ، مع إن القدرة شرط للتكليف مطلقا ؛ إذ لا فرق في حكم العقل بقبح تكليف العاجز بين الجزء والشرط.
وكيف كان ؛ إن داعوية الأمر المتعلق بالكل للأجزاء إنما تصح فيما إذا لم يكن من أجزائه نفس الداعوية ؛ مثل : ذات الركوع والسجود وغيرهما من الأجزاء ، فحينئذ تكون داعوية الأمر بالكل عين داعوية الأوامر الضمنية المتعلقة بالأجزاء. وأما إذا كان المتعلق مركبا من أجزاء ، وكان من جملتها الإتيان بداعي الأمر ـ كما هو المفروض في المقام ـ فيلزم أن يكون الأمر داعيا إلى داعوية نفسه وعلة لعليّته ، لأن المفروض : وحدة الأمر ، فإذا كانت دعوة هذا الأمر من أجزاء المركب ، والأمر المتعلق بالكل يدعو إلى كل واحد من أجزائه التي منها هذه الدعوة ؛ لزم أن يكون أمر المركب داعيا إلى داعوية نفسه ، فيلزم توقف الشيء على نفسه وهو مستحيل بالضرورة. هذا كما في «منتهى الدراية» مع تصرف منّا.