نسب (١) إلى المشهور ظهورها في الإباحة. وإلى بعض العامة ظهورها في الوجوب. وإلى بعض تبعيتها لما قبل النهي ؛ إن علق الأمر بزوال علة النهي ، إلى غير ذلك (٢).
______________________________________________________
إذا عرفت محل النزاع فاعلم : أنه وقع البحث في أنه هل وقوع صيغة الأمر عقيب الحظر يكون موجبا لارتفاع ظهورها في الوجوب ، فلا تدل على الوجوب أم لا؟ بل كانت ظاهرة فيه كظهورها فيه قبل الحظر.
وبعبارة أخرى : هل يكون وقوع الصيغة عقيب الحظر من القرائن العامة النوعية الرافعة لظهورها في الوجوب أم لا؟ وفي المسألة أقوال قد أشار المصنف إلى بعض تلك الأقوال.
(١) هذا هو القول الأول : أي : «نسب إلى المشهور ظهورها في الإباحة» بمعناها الخاص ؛ كما هو المنسوب إلى صريح بعض كالمحقق القمّي «قدسسره» ، أو معناها العام. أي : القدر الجامع بين الأحكام الثلاثة ؛ وذلك لأن وقوع صيغة الأمر عقيب الحظر ، أو في مقام توهم الحظر قرينة عامة صارفة عن معناها الحقيقي الذي هو الوجوب ، وهذه القرينة تعيّن أحد المجازات وهو الإباحة.
والقول الثاني : ما أشار إليه بقوله : «إلى بعض العامة» أي : «نسب إلى بعض العامة» ؛ كالرازي والبيضاوي «ظهورها في الوجوب» ، واستدل عليه : بأن الأصل أن تحمل صيغة الأمر على معناها الحقيقي ؛ ما دام لم يوجد مانع يمنعها عنه ، والمانع هنا هو : الحظر المرتفع بالفرض ، فليس هناك مانع آخر لجواز الانتقال إلى الوجوب السابق بعد رفع الحظر.
والقول الثالث : ما أشار إليه بقوله : «وإلى بعض تبعيتها لما قبل النهي» أي : حاصل ما أفاده البعض كالعضدي من التفصيل ؛ بين ما إذا كان الأمر الواقع بعد الحظر معلقا بزوال علة النهي ، وبين ما إذا لم يكن كذلك.
فعلى الأول : يكون الحكم بعد النهي والحظر تابعا لما قبل النهي بمعنى : إن كان الحكم قبل الحظر هو الوجوب ، كان بعده أيضا هو الوجوب. وإن كان الإباحة فكذلك بعد الحظر. هذا بخلاف ما إذا لم يكن معلقا على زوال علة النهي فهو ظاهر في الوجوب بعد الحظر كما كان ظاهرا فيه قبله ، ومثال كون الأمر معلقا على زوال علة النهي قوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) فإن الأمر بالاصطياد معلق على الإحلال المضاد للإحرام ؛ الذي هو علّة عروض النهي عن الصيد ، فيفيد الاباحة التي هي حكم الصيد قبل النهي. وقوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) التوبة : ١٥ ؛ حيث إن الانسلاخ الذي هو : عبارة عن انقضاء الأشهر الحرم ؛ التي هي علة النهي ؛ فيفيد الوجوب الذي كان قبل الحظر والنهي.
(٢) أي : غير ما ذكر من التفاصيل المذكورة في المسألة.