لا جواز الإتيان بها مرة ومرات فإنه (١) مع الإتيان بها مرة لا محالة يحصل الامتثال ويسقط به الأمر ؛ فيما إذا كان امتثال الأمر علة تامة لحصول الغرض الأقصى ، بحيث يحصل بمجرده ، فلا يبقى معه مجال لإتيانه ثانيا بداعي امتثال آخر ، أو بداعي أن يكون الإتيانان امتثالا واحدا ؛ لما عرفت : من حصول الموافقة بإتيانها ، وسقوط الغرض معها ، وسقوط الأمر بسقوطه ، فلا يبقى مجال لامتثاله أصلا.
وأمّا إذا لم يكن الامتثال علة تامة لحصول الغرض (٢) ، كما إذا أمر بالماء ليشرب
______________________________________________________
(١) هذا تعليل لعدم كون الإطلاق صالحا لإثبات جواز الإتيان بما عدا الوجود الأول من الوجودات الطولية.
وحاصله : ـ على ما في بعض الشروح ـ أن الوجود الأول إن كان علة تامة لحصول الغرض الداعي إلى الأمر ؛ فلا محالة يكون علة تامة لسقوط الأمر أيضا ، وحينئذ يمتنع أن يكون إتيان الطبيعة ثانيا وثالثا متعلقا للأمر ، وبهذا الامتناع يمتنع أن يكون للصيغة إطلاق يشمل المرة والمرات ، بل يمكن منع الإطلاق ـ مع غض النظر عن هذا المانع العقلي ـ بأن يقال : إن مقتضى تعلق الطلب بطبيعة هو نقض عدمها بالوجود ، وذلك يتحقق بصرف الوجود المنطبق على القليل والكثير ، وهو لا ينطبق على الوجود اللاحق ؛ لكونه وجودا بعد وجود ، وإنما قيد الغرض بكونه أقصى ، لأن الغرض المقدمي لا يكون علة تامة لسقوط الأمر مثل الغرض المقدمي للمولى ؛ من أمره بإحضار الماء هو حضور الماء عنده ، وغرضه الأقصى هو رفع عطشه ، فلا يسقط الأمر بحصول الغرض المقدمي.
وكيف كان ؛ فلا يبقى مجال لإتيان المأمور به مع حصول الغرض الأقصى ثانيا ؛ سواء كان الإتيان بداعي امتثال آخر ، أو بداعي أن يكون الثاني امتثالا دون الأول ، أو بداعي أن يكون كل واحد من الإتيانين جزء الامتثال ؛ كما أشار إليه بقوله : «أو بداعي أن يكون الإتيانان امتثالا واحدا».
(٢) أي : الغرض الأقصى ، فلا يبعد صحة تبديل الامتثال بإتيان فرد آخر أحسن منه.
فنتيجة البحث : أنه إذا كان امتثال الأمر علة لحصول الغرض فلا معنى لإتيان المأمور به ثانيا بقصد الامتثال ؛ وذلك لعدم بقاء الأمر بعد حصول الغرض ، وإذا لم يكن علة تامة له ـ كما في المثال المزبور ـ فلا يبعد جواز الاتيان بالمأمور به ثانيا بقصد الامتثال ؛ لأن بقاء الغرض كاشف عن بقاء الأمر ، فإذا لم يسقط الأمر فلا بد من الامتثال ثانيا.
هذا فيما إذا كان الأمر مطلقا من حيث اللفظ. وأما إذا كان مهملا فلا بد ـ حينئذ ـ من الاكتفاء بالمرة ، والرجوع في الزائد عليها إلى الأصول العملية من البراءة أو الاستصحاب على ما يقتضيه المقام.