في نفسه ومستقلا كذلك لا يعتبر في معناها (١) لحاظه في غيرها آلة ، وكما لا يكون لحاظه (٢) فيه موجبا لجزئيته (٣) فليكن كذلك فيها.
إن قلت : على هذا (٤) لم يبق فرق بين الاسم والحرف في المعنى ، ولزم كون مثل كلمة «من» ولفظ الابتداء مترادفين ، صح استعمال كل منهما في موضع الآخر ، وهكذا سائر الحروف مع الأسماء الموضوعة لمعانيها (٥) وهو باطل بالضرورة ، كما هو واضح.
قلت : الفرق بينهما (٦) إنما هو في اختصاص كل منهما بوضع ، حيث إنّه وضع
______________________________________________________
(١) أي : معنى كلمة «من» والضمير في «لحاظه» راجع إلى المعنى. وفي «غيرها» يرجع إلى كلمة «من».
(٢) أي : لحاظ الاستقلال في معنى لفظ الابتداء.
(٣) أي : لجزئية معنى لفظ الابتداء ، والضمير في «فيها» يرجع إلى كلمة «من» ، أي : فليكن لحاظ الآلية في معنى كلمة «من» غير موجب لجزئيته.
(٤) أي : على ما ذكرتم في التحقيق من : إنّ اللحاظ الذهني لا دخل له في المعنى الحرفي ، كما لا دخل له في المعنى الاسمي «لم يبق فرق بين الاسم والحرف في المعنى». ولازم ذلك هو الترادف المستلزم لصحة استعمال كلمة «من» مكان لفظ الابتداء وبالعكس ، وهو باطل بالضرورة ؛ إذ لا يصح أن يقال «سرت ابتداء البصرة» مكان «سرت من البصرة».
ويمكن تقريب الإشكال بالقياس الاستثنائي بأن يقال : لو كان معنى الحرف متحدا مع معنى الاسم ـ كما بيّنتم ـ لم يبق فرق بين الاسم والحرف في المعنى والتالي باطل فالمقدم مثله. والملازمة بين المقدم والتالي ثابتة بالفرض ؛ لأن المفروض اتحاد الموضوع له في الاسم والحرف ؛ بمعنى : أن معنى كلمة «من» ولفظ الابتداء هو مفهوم الابتداء.
وأمّا بطلان التالي فإنّ لازم عدم الفرق هو الترادف المستلزم لصحة استعمال كل منهما مكان الآخر وهو باطل كما عرفت.
(٥) أي : الحروف مثل لفظ الاستعلاء ، بمعنى : على ، ولفظ الانتهاء بمعنى : إلى.
(٦) أي : الفرق بين الحرف والاسم إنما هو في الوضع بمعنى : أنّ لكل منهما وضع خاص به ، فلذا لا يجوز استعمال أحدهما مكان الآخر.
توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الواضع وإن كان قد وضع الاسم والحرف لمعنى واحد وهو المفهوم الكلي ؛ إلّا إنّ لهذا المفهوم حالتين : حالة تبعية وفي غيره ، وحالة