الاسم ليراد منه معناه بما هو هو وفي نفسه ، والحرف ليراد منه معناه لا كذلك ، بل بما هو حالة لغيره كما مرت الإشارة إليه غير مرة ، فالاختلاف بين الاسم والحرف في الوضع ؛ يكون موجبا لعدم جواز استعمال أحدهما في موضع الآخر وإن اتفقا فيما له الوضع (١) وقد عرفت ـ بما لا مزيد عليه ـ أن نحو إرادة المعنى (٢) لا يكاد يمكن أن يكون من خصوصياته ومقوماته.
ثم لا يبعد (٣) أن يكون الاختلاف في الخبر والإنشاء أيضا كذلك ؛ فيكون الخبر
______________________________________________________
استقلالية وفي نفسه. ثم اشترط الواضع شرطا وهو : أن المستعمل يستعمل الاسم إذا تصور ولاحظ المعنى مستقلا وفي نفسه ، ويستعمل الحرف إذا تصوره آليا وحالة لغيره. وهذا الاشتراط أوجب عدم صحة استعمال أحدهما مكان الآخر وإن اتفق الاسم والحرف في ذات المعنى الموضوع له فحينئذ يقع الكلام في الشرط بأنّه من قبيل الشرط المتأخر ـ بمعنى : كون الاستعمال المتأخر كاشفا عن تحقق الوضع في السابق ـ أو من قبيل الشرط المتقدم فلا يتحقق الوضع إلّا بعد تحقق الاستعمال ؛ وجهان أقربهما الأوّل ، لكون الثاني مستلزما للدور ، إذ الوضع موقوف على تحقق الاستعمال نظرا إلى الشرطية ، والاستعمال موقوف على الوضع نظرا إلى الفرعية إذا لم تكن هناك قرينة المجاز.
وهناك احتمال أن يكون الاختلاف من حيث الداعي بمعنى : أنّه كان الداعي لوضع الاسم أي : لفظ الابتداء ليراد منه معناه بما هو مستقل وفي نفسه. والداعي لوضع الحرف أي : كلمة «من» هو مفهوم الابتداء لا بما هو مستقل وفي نفسه ، بل بما هو حالة لغيره.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الاختلاف بين معنى الاسم ومعنى الحرف ـ سواء كان في الشرط أو الداعي ـ مما يكفي في عدم صحة استعمال أحدهما مكان الآخر ، فلا يرد الإشكال المذكور. وتركنا ما في المقام من النقض والإبرام رعاية للاختصار.
(١) أي : في ذات المعنى الموضوع له.
(٢) أي : مثل كون المعنى آليا أو استقلاليا لا يكاد يمكن أن يكون من خصوصيات المعنى ومقوّماته المأخوذة في المعنى.
(٣) أي : ليس من البعيد إلحاق الخبر والإنشاء بالاسم والحرف ؛ بأن يكون الاختلاف فيهما أيضا كالاختلاف في الاسم والحرف ، فكما أن معنى لفظي (من) وابتداء متحد ذاتا وهو مفهوم الابتداء ، ولحاظ الآلية والاستقلالية خارجان عن الموضوع له كما عرفت. كذلك يمكن أن يكون «بعت» الإخباري و «بعت» الإنشائي واحدا بالذات وهو النسبة الصدورية بين البيع وفاعله ، والاختلاف بينهما إنما هو في قصد المتكلم بمعنى : أنه