تحقيق الكلام فيه يستدعي التكلم فيه تارة : في بيان ما يمكن أن يقع عليه الأمر الاضطراري من الأنحاء ، وبيان ما هو قضية كل منها من الإجزاء وعدمه ، وأخرى : في تعيين ما وقع عليه.
فاعلم : أنه يمكن أن يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار كالتكليف الاختياري في حال الاختيار وافيا بتمام المصلحة ، وكافيا فيما هو المهم والغرض ، ويمكن أن لا يكون وافيا به كذلك ، بل يبقى منه شيء أمكن استيفاؤه أو لا يمكن. وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه ، أو يكون بمقدار يستحب ، ولا يخفى : أنه إن كان وافيا به يجزي ، فلا يبقى مجال أصلا للتدارك ، لا قضاء ولا إعادة ، وكذا لو لم يكن وافيا ، ولكن لا يمكن تداركه ، ولا يكاد يسوغ له البدار في هذه الصورة إلا
______________________________________________________
الثانية : أن لا يكون وافيا بتمام الملاك ، بل يكون وافيا ببعض الملاك ، وكان المقدار الباقي مما لا يمكن تداركه كما أشار إليه بقوله : «ويمكن أن لا يكون وافيا به كذلك ، إلى قوله : «أو لا يمكن».
الثالثة : أن يكون وافيا ببعض الملاك والمصلحة ، وأمكن تدارك الباقي واستيفاؤه ، وكان مما يجب تداركه ، كما أشار إليه بقوله : «وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه».
الرابعة : هذه الصورة ، ولكن لا يكون المقدار الباقي الممكن تداركه على حد يلزم استيفاؤه ، بل على حد الاستحباب.
إذا عرفت هذه الصور في مقام الثبوت ؛ فاعلم :
أن الصورة الأولى : تقتضي الإجزاء بلا كلام لحصول تمام ملاك الأمر الواقعي بالمأمور به الاضطراري ، فلا مجال لوجود الأمر الواقعي.
حينئذ. أما جواز البدار ـ أي : المبادرة إلى الإتيان بالمأمور به الاضطراري في أول وقت الاضطرار ـ فهو يتوقف على إحراز وفاء المأمور به الاضطراري بملاك الأمر الواقعي بمجرد الاضطرار ، إذ لا إشكال في جوازه حينئذ لعدم فوات مصلحة الواقع به.
وأما إذا كان وفاء المأمور به الاضطراري بالملاك مقيدا باليأس عن ارتفاع الاضطرار ، أو بالانتظار إلى آخر الوقت ؛ فلا يجوز البدار بدون اليأس ؛ لعدم وفاء المأتي به بملاك الأمر الواقعي ، ولا يتحقق الإجزاء.
وأما الصورة الثانية : فهي تقتضي الإجزاء أيضا ؛ لامتناع تدارك الفائت ، ولا يجوز البدار فيها ؛ لاستلزام تجويزه للإذن في تفويت مقدار من المصلحة ، وذلك قبيح على العاقل فضلا عن الحكيم.