السابع
لا يخفى : أن تبادر (١) المعنى من اللفظ وانسباقه إلى الذهن من نفسه ـ وبلا قرينة ـ علامة كونه حقيقة فيه ؛ بداهة (٢) : أنّه لو لا وضعه له ، لما تبادر ولا يقال :
______________________________________________________
خلاصة البحث في وضع المركبات :
إنه لا مجال لتوهم الوضع في المركبات غير وضع مفرداتها مادة وهيئة ، ويكون الغرض من عقد هذا الأمر السادس دفع توهم وضع آخر للمركبات ، والدليل على ذلك : أنه لا فائدة لوضع المركبات غير وضع مفرداتها مادة وهيئة ، لأن وضع مفرداتها كذلك واف بتمام المقصود منها. هذا مضافا إلى أنه مستلزم لدلالة الكلام على المقصود مرتين وهو مخالف للوجدان.
هذا ويمكن أن يكون مراد القائل بوضع آخر للمركبات : وضع هيئاتها بوضع على حدة ، فيرجع النزاع حينئذ إلى كونه لفظيا.
علامات الحقيقة والمجاز
(١) قبل الشروع في البحث لا بد من بيان ما هو المراد من التبادر الذي هو من علامات الحقيقة فنقول : إنّ التبادر بمعنى : سبق المعنى من اللفظ إلى الذهن وإن كان على أقسام ، إلّا إن جميع هذه الأقسام ليس من علامات الحقيقة. وذلك أن منها : ما يكون ناشئا عن الإطلاق بعد تمامية مقدمات الحكمة ، كما يتبادر الوجوب النفسي العيني التعييني من إطلاق صيغة الأمر المعبّر عنه بالتبادر الإطلاقي. ولكن هذا القسم من التبادر ليس علامة للحقيقة.
ومنها : ما يكون ناشئا عن القرينة كتبادر الرجل الشجاع من لفظ الأسد في قولك : رأيت أسدا في الحمام ، وهذا أيضا ليس من علامات الحقيقة.
ومنها : ما يكون من حاق اللفظ ، فهذا القسم الأخير من علامات الحقيقة ؛ فعلامة الحقيقة هو التبادر من حاق اللفظ.
وبعبارة أخرى : هو التبادر بمعنى : خطور المعنى في الذهن بمجرد سماع اللفظ من دون لحاظ أيّة قرينة وعناية في البين من حالية أو مقالية ، والوجه في ذلك : أن مثل هذا التبادر معلول للوضع لا محالة وكاشف عنه كشفا إنيّا ، ويدل على وجود علاقة وارتباط بين ذات اللفظ وبين المعنى المتبادر.
(٢) تعليل لكون التبادر علامة للحقيقة ؛ إذ لو لا وضع اللفظ للمعنى المتبادر منه لما تبادر ذلك المعنى منه ، فالتبادر حينئذ يكشف ـ إنّا ـ عن كون اللفظ موضوعا للمعنى