بقرينة صارفة عنه إليه ، وأمّا إذا دار الأمر بينها ، فالأصوليون وإن ذكروا لترجيح بعضها على بعض وجوها ؛ إلّا أنّها استحسانية ، لا اعتبار بها ، إلّا إذا كانت موجبة
______________________________________________________
إليه» أي : صارفة عن المعنى الحقيقي إلى أحد الأحوال ، لأنّ مقتضى أصالة الحقيقة هو : حمل اللفظ على المعنى الحقيقي مع عدم قرينة صارفة عنه.
فلا إشكال في فرض دوران اللفظ بين الحقيقة والمجاز ، وإنّما الإشكال في فرض دوران الأمر بين المعنى الحقيقي وبين سائر الأحوال ، كدوران الأمر بين المعنى الحقيقي وبين الاشتراك أو النقل ، إذ حينئذ يدور الأمر بين المعنيين الحقيقيين ؛ لأنّ المشترك وكذا المنقول معنى حقيقي ومثله الأمر في دوران الأمر بين المعنى الحقيقي والتخصيص ؛ لأنّ التخصيص لا يوجب المجازية على بعض الآراء فلا يكون قسيما ومقابلا للمعنى الحقيقي.
إلّا إن يقال في توجيه مراد المصنف «قدسسره» : بأنه لا يريد من المعنى الحقيقي المعنى المقابل للمجاز ، بل يريد به المعنى الأصلي الذي جعل اللفظ بإزائه أولا ، ففي مورد تعدد الحقيقة كمورد النقل والاشتراك والتخصيص يراد دوران الأمر بين المعنى الحقيقي الأولي والمعنى الحقيقي الثانوي وهو المنقول إليه اللفظ أو الموضوع له اللفظ ثانيا أو المعنى الخاص.
وأمّا المقام الثالث : فقد أشار إليه بقوله : «وأمّا إذا دار الأمر بينها ...» إلخ أي : بين الأحوال في أنفسها ، لا بينها وبين المعنى الحقيقي. يعني : بين المجاز والاشتراك أو بين الاشتراك والنقل ، أو بين التخصيص والإضمار ، وهكذا ، فالعلماء الأعلام ذكروا وجوها لترجيح بعضها على البعض الآخر متمسكين ببعض الأمور ، مثلا : رجحوا المجاز على الاشتراك لكونه أكثر استعمالا ، ورجحوا الاشتراك على المجاز لكونه أبعد من الخطأ لوجوب التوقف عند عدم القرينة المعنية.
ورجحوا الاشتراك على النقل لكون النقل يقتضي نسخ الوضع الأوّل ، بخلاف الاشتراك لعدم اقتضائه النسخ ، ولأنّ الأصل عدم النسخ ، ورجحوا التخصيص على الإضمار لكونه أغلب حتى قيل : ما من عام إلّا وقد خص ، إلى غير ذلك من الوجوه المذكورة في الكتب المبسوطة.
ويقول المصنف ردا على هذه الأمور : إنها أمور استحسانية ذوقية لا اعتبار بها. نعم ؛ إذا كانت موجبة لظهور اللفظ في البعض فعند ذلك يؤخذ بالطرف الراجح لأجل ظهور اللفظ فيه ، وهو حجة عند العرف والعقلاء.