وقبل الخوض في تحقيق الحال لا بأس بتمهيد مقال ، وهو أن الوضع التعييني كما يحصل بالتصريح بإنشائه ، كذلك يحصل باستعمال اللفظ في غير ما وضع له (١) ، كما إذا وضع له ، بأن يقصد الحكاية عنه ، والدلالة عليه بنفسه لا
______________________________________________________
أنه لم يضع اللفظ للفعل الخاص ، بل استعمله فيه مجازا وبالقرينة؟
ومن هنا يظهر : أن المعاملات خارجة عن محل النزاع ، لأنّها لم تكن من مخترعات الشرع ، بل أمور عرفية قديمة زاد الشارع فيها شرائط.
إذا عرفت محل النزاع فنقول : إن الكلام في الحقيقة الشرعية من جهات :
الأولى : بيان الأقوال فيها.
الثانية : بيان أقسام الوضع ، وعلى تقدير ثبوتها بأيّ : قسم من الوضع ثبتت.
الثالثة : بيان الثمرة بين القولين أي : المثبت والنافي.
وملخص البحث في الجهة الأولى : هو أن الأقوال في المقام خمسة :
١ ـ الثبوت مطلقا. ٢ ـ عدم الثبوت مطلقا. ٣ ـ التفصيل بين العبادات والمعاملات ـ الثبوت في الأولى والعدم في الثانية. ٤ ـ التفصيل بين الألفاظ الكثيرة الدوران كالصوم والصلاة ونحوهما وبين غيرها ـ الثبوت في الأولى وإن كانت من المعاملات ، والنفي في الثانية وإن كانت من العبادات.
٥ ـ التفصيل بين عصر النبي «صلىاللهعليهوآله» وبين عصر الصادقين «عليهمالسلام» النفي في الأول ، والثبوت في الثاني ، ولكن تسميته على هذا بالحقيقة المتشرعية أولى من تسميته بالحقيقة الشرعية.
هذا ولكن قد عرفت : أن محل الكلام هي العبادات ، لأنها معان مستحدثة شرعا ومن مخترعات الشارع. وأما المعاملات فكانت ثابتة قبل الشرع ، لأنها أمور عرفية قديمة.
ثم إن المصنف يقول بثبوت الحقيقة الشرعية بالوضع التعييني الذي يحصل بالاستعمال وبالإنشاء العملي ، كما أشار إليه بقوله : «إن الوضع التعييني كما يحصل بالتصريح بانشائه كذلك يحصل باستعمال اللفظ».
(١) توضيح ما ذكره المصنف من إنشاء الوضع التعييني بالاستعمال يتوقف على مقدمة وهي : أن الوضع على قسمين : ١ ـ التعييني. ٢ ـ التعيّني.
الأول : يحصل بتعيين الواضع وتصريحه بأن يقول : وضعت هذا اللفظ لهذا المعنى.
والثاني : يحصل بكثرة الاستعمال. ثم الأول كما يحصل بالتصريح بإنشائه كذلك يحصل باستعمال اللفظ. أي : ينشأ بالاستعمال بأن يستعمل اللفظ في المعنى ويقصد بهذا الفعل أعني : الاستعمال تحقق الوضع وإنشاءه.