وأمّا بناء (١) على كونها ثابتة في الشرائع السابقة كما هو قضية غير واحد من الآيات : مثل قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ،) وقوله تعالى : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ،) وقوله تعالى : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) إلى غير ذلك ، فألفاظها (٢) حقائق لغوية لا شرعية.
واختلاف (٣) الشرائع فيها جزءا أو شرطا لا يوجب اختلافها في الحقيقة والماهية ، إذ لعله (٤) كان من قبيل الاختلاف في المصاديق والمحققات ؛ كاختلافها بحسب الحالات في شرعنا ، كما لا يخفى.
______________________________________________________
(١) أي : وأمّا بناء على كون هذه المعاني ثابتة من قبل في الشرائع السابقة ؛ كما هو مقتضى غير واحد من الآيات الكريمة فلا مجال للنزاع في الحقيقة الشرعية ، لأنّ تلك الألفاظ حينئذ لم تستعمل في شرعنا إلّا في المعاني التي كانت ألفاظ العبادات مستعملة فيها في الشرائع الماضية ؛ كما هو مستفاد من جملة الآيات مثل قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) البقرة : ١٨٣ ، وقوله تعالى : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) الحج : ٢٧ ، وقوله تعالى : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) مريم : ٣١. إلى غير ذلك.
إن الظاهر من هذه الآيات : أن معاني الألفاظ كانت ثابتة من قبل ولم تكن مستحدثة ، لأنّ الصيام قد كتب على من قبلنا والأذان بالحج يسبب إتيان الرجال من كل فجّ عميق ، فلو لم يكن المعنى شائعا قبل الشريعة الإسلامية لما قال الله تعالى (أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ) وهكذا في (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ) في قضية عيسى بن مريم «عليهالسلام» ، وعلى هذا تكون ألفاظها حقايق لغوية لأنها كانت من قبل وليست شرعية.
(٢) أي : فألفاظ العبادات حقائق لغوية لا شرعية لعدم اختراع الشارع لتلك المعاني ، بل استعملها في المعاني التي كانت في الشرائع السابقة.
وقوله : «فألفاظها» جواب عن أمّا الشرطية في قوله : «وأمّا بناء على ...» إلخ.
(٣) قوله : «واختلاف الشرائع ...» إلخ دفع لما يتوهم من أن اختلاف الشرائع في العبادات من حيث الأجزاء والشرائط موجب لعدم وحدة معانيها ، بل هي متعددة مختلفة فلا تكون حقائق لغوية ، بل تكون حقائق شرعية في هذه المعاني الشرعية المعهودة لاختراع الشارع إياها ، فيبقى للنزاع في ثبوت الحقيقة الشرعية مجال.
(٤) هذا دفع للتوهم المذكور وحاصله : أن اختلاف الشرائع في العبادات من حيث الأجزاء والشرائط لا يوجب اختلاف العبادات في الحقيقة والماهية ، إذ يمكن أن يكون