وقبل الخوض في ذكر أدلة القولين «يذكر أمور» :
منها : أنه لا شبهة في تأتّي الخلاف ، على القول بثبوت الحقيقة الشرعية ، وفي جريانه (١) على القول بالعدم إشكال.
وغاية ما يمكن أن يقال في تصويره (٢) : إن النزاع وقع ـ على هذا ـ في أن الأصل
______________________________________________________
الأمر الأوّل : في تصوير النزاع. وملخص كلامه فيه : أن تصويره على القول بثبوت الحقيقة الشرعية مما لا شبهة فيه ، إذ يقال : إن الشارع هل وضع اللفظ لخصوص الصحيح أو للأعم منه ومن الفاسد؟
(١) أي : في جريان الخلاف على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية إشكال ، إذ لا وضع كي يقال بأن الموضوع له هو الصحيح أو الأعم.
هذا مضافا إلى أن الأعمّي يقول : بجواز الاستعمال مجازا في الصحيح أيضا ، والصحيحي يقول : بجوازه مجازا في الفاسد أيضا ، فلا خلاف في البين.
(٢) أي : تصوير الخلاف على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية. توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أنه لا إشكال في استعمال ألفاظ العبادات في الصحيح منها شرعا ، كما لا إشكال في استعمالها في الأعم ، ثم على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية يكون استعمالها فيهما على نحو المجاز ، فلا بد من ملاحظة العلاقة المصححة للاستعمال المجازي بين المعنى الحقيقي اللغوي وبين المعنى المجازي الشرعي ، ثم ملاحظة العلاقة على فرض تعدد المعنى المجازي ـ كما فيما نحن فيه ـ تارة : تكون عرضية بمعنى : أن كل معنى مجازي تلاحظ العلاقة بينه وبين المعنى الحقيقي. وأخرى : تكون طولية بمعنى : أن العلاقة تلاحظ بين المعنى المجازي والحقيقي ، ثم تلاحظ العلاقة ثانيا بين المعنى المجازي الثاني وبين المعنى المجازي الأول ، وهكذا بين المعنى المجازي الثاني والثالث فتكون المعاني المجازية طولية.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن المجازات في المقام طولية ، فيقال حينئذ في تصوير الخلاف بين الصحيحي والأعمي : إن الصحيحي يقول : إن الشارع لاحظ العلاقة ابتداء بين المعنى الحقيقي وبين المعنى المجازي الصحيح ؛ مثل : الدعاء والصلاة الصحيحة مثلا ، ثم استعمل لفظ الصلاة في الصلاة الصحيحة مجازا ، ومتى أراد استعماله في الأعم لاحظ العلاقة بين الصحيح والأعم بطريق سبك المجاز من المجاز ، ويأتي بقرينة أخرى لإرادة الأعم مجازا.
والأعمي يقول : إن الشارع لاحظ العلاقة ابتداء بين المعنى الحقيقي وبين الأعم أي :