ومنها : (١) تقسيمه إلى النفسي والغيري : وحيث كان طلب شيء وإيجابه لا يكاد يكون بلا داع ، فإن كان الداعي فيه هو التوصل به إلى واجب ، لا يكاد التوصل
______________________________________________________
في تقسيم الواجب إلى النفسي والغيري
(١) من تقسيمات الواجب : تقسيمه إلى النفسي والغيري ، وهذا التقسيم للواجب إنما هو باعتبار الدواعي ؛ كما أشار إليه بقوله : «وحيث كان طلب شيء وإيجابه لا يكاد يكون بلا داع».
وملخص الكلام في هذا المقام أن يقال : إن المصنف وإن كان لم يتعرض لتعريف الواجب النفسي والغيري ، إلّا أنّه يظهر من بيانه ما ينقسم به الواجب إليهما من الدواعي وحاصله : أنه إن كان الداعي في طلب شيء وإيجابه هو التوصل به إلى الواجب ـ لتوقف ذلك الواجب عليه ـ كان ذلك الشيء واجبا غيريا كالطهارة مثلا ، فإنها تجب لأجل التوصل إلى الصلاة الصحيحة ، وإن لم يكن الداعي إلى طلب شيء التوصل إلى واجب آخر كان ذلك الشيء واجبا نفسيا كوجوب الحج مثلا ؛ فإنه مطلوب لنفسه ، فالواجب النفسي ما كان نفس الفعل محبوبا ، بلا فرق بين أن يكون الداعي إلى إيجابه محبوبيته بنفسه كالمعرفة بالله سبحانه ، أو محبوبيته بما له من فائدة مترتبة عليه كالصلاة الواجبة لنفسها ، والفائدة المترتبة عليها أنها قربان كل تقي ، أو معراج المؤمن ، أو تنهى عن الفحشاء والمنكر إلى غير ذلك.
وقد ظهر من كلامه هذا : تعريف الواجب النفسي والغيري أن الأول : ما أمر به لنفسه ، والثاني : ما أمر به لأجل غيره ، وقد فسرا بهذا التفسير في كلام غير واحد من الأصوليين.
وقد أورد على تعريف الواجب النفسي بما حاصله : من أن لازم ذلك أن تكون جميع الواجبات الشرعية ـ ما عدا المعرفة بالله تعالى ـ من الواجبات الغيرية ؛ إذ المطلوب النفسي لا يوجد في الأوامر أعني : في متعلقاتها ؛ فإنها مطلوبات لأجل الخواص والغايات التي هي خارجة عن حقيقتها ؛ مثلا : الصلاة ـ كما عرفت ـ مطلوبة لكونها ناهية عن الفحشاء والمنكر ، والصوم مطلوب لكونه جنة من النار ، والزكاة مطلوبة لكونها سببا لتطهير المال ونموه ؛ لا سيما على مذهب العدلية بأن الأحكام تابعة للمصالح الواقعية والمفاسد النفس الأمرية.
فعلى ضوء هذا التعريف لا يكون هناك واجب نفسي ما عدا معرفة الله سبحانه حيث أنها غاية الغايات.