فالأولى أن يقال : إن الأثر المترتب عليه (١) وإن كان لازما ؛ إلّا إن ذا الأثر لمّا كان معنونا بعنوان حسن يستقل العقل بمدح فاعله ، بل بذمّ تاركه ؛ صار متعلقا للإيجاب بما هو كذلك ، ولا ينافيه كونه مقدمة لأمر مطلوب واقعا ؛ بخلاف الواجب الغيري ؛ لتمحض وجوبه في أنه لكونه مقدمة لواجب نفسي.
______________________________________________________
(١) أي : على الواجب النفسي : «وإن كان لازما ...» إلخ ، وقد أجاب المصنف عن الإشكال : بأن الفعل الواجب وإن كان يترتب عليه الأثر ؛ إلّا إنه معنون بعنوان حسن في نفسه ، والإيجاب متعلق به بما إنه كذلك ، وإن كان في الواقع مقدمة لأمر مطلوب واقعا.
وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الواجب باعتبار ما هو ملاك وجوبه ومناطه على ثلاثة أقسام :
١ ـ أن يكون فيه ملاك الوجوب النفسي فقط : بأن يكون وجوبه لأجل حسنه الذاتي ، ولم يكن الواجب مقدمة لواجب آخر ؛ كالمعرفة بالله سبحانه.
٢ ـ أن يكون فيه ملاك الوجوب الغيري فقط : بأن يكون وجوبه لأجل حسن غيره ، سواء كان في نفسه وذاته حسنا ؛ كالوضوء والغسل والتيمم ، أم لم يكن كذلك ؛ كقطع الطريق والمسافة مقدمة للحج.
٣ ـ أن يكون فيه كلا الملاكين : بأن يكون وجوبه لأجل حسنه الذاتي ؛ بحيث يستقل العقل بمدح فاعله ، وذمّ تاركه ، وإن لم يلتفت إلى ما يترتب عليه من الأثر والفائدة ، ففيه ملاك الوجوب النفسي لأجل حسنه الذاتي ، وملاك الوجوب الغيري باعتبار كونه مقدمة لواجب آخر ؛ كالصلاة والحج وغيرهما من الواجبات النفسية.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن الواجب النفسي في المقام هو من قبيل القسم الأخير ، فهذا القسم من الواجبات وإن كان تترتب عليه آثار وفوائد لازمة ، ولكن وجوبه والبعث نحوه ليس باعتبار ترتب هذه الفوائد والآثار عليه ؛ بل باعتبار حسنه الذاتي ، وكونه معنونا بعنوان حسن يستقل العقل بمدح فاعله وذم تاركه ، فقد اجتمع فيه ملاك النفسية والغيرية ، ولكن البعث نحوه ، وتعلق الوجوب به إنما هو باعتبار حسنه الذاتي وملاكه النفسي ؛ لا باعتبار مقدميته لغيره.
وبعبارة أخرى : كان وجوبه النفسي باعتبار كونه معنونا بعنوان حسن ، فلذا سمي واجبا نفسيا ، كما أن الواجب الغيري هو ما كان الداعي إلى البعث نحوه ملاك المقدمية ، وهذا لا ينافي وجود الملاك النفسي فيه أيضا.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح ما أجاب به المصنف عن الإشكال ، وهو اندراج الواجب النفسي في الواجب الغيري.