وهذا أيضا لا ينافي أن يكون معنونا بعنوان حسن في نفسه ، إلّا إنه لا دخل له في إيجابه الغيري ، ولعله (١) مراد من فسرهما بما أمر به لنفسه ، وما أمر به لأجل غيره.
فلا يتوجه عليه الاعتراض : بأن جلّ الواجبات ـ لو لا الكل ـ يلزم أن يكون من الواجبات الغيرية ، فإن المطلوب النفسي (٢) قلّ ما يوجد في الأوامر ؛ فإن جلّها
______________________________________________________
ومنه يظهر : إمكان اجتماع الوجوب النفسي والغيري في مورد واحد بلحاظين مختلفين ؛ بمعنى : أنه باعتبار لحاظ حسنه الذاتي في إيجابه واجب نفسي ، وباعتبار لحاظ حسنه العرضي ومقدميته لغيره واجب غيري ، وهذا ما أشار إليه بقوله : «ولا ينافيه كونه مقدمة لأمر مطلوب واقعا» أي : لا ينافي إيجابه النفسي الناشئ عن حسنه الذاتي كونه مقدمة لمطلوب واقعا وهو الأثر المترتب عليه. هذا بخلاف الواجب الغيري ؛ فإن كونه مقدمة لمطلوب واقعا ينافيه إيجابه النفسي ؛ لعدم ملاك الواجب النفسي فيه.
(١) أي : لعل ما ذكرناه ـ من الفرق بين تعريف الواجب النفسي والغيري بأن الواجب النفسي ما وجب لحسنه الذاتي ، والغيري ما وجب لمقدميته لواجب آخر ـ «مراد من فسرهما بما أمر به لنفسه ...» إلخ.
وغرض المصنف من هذا الكلام هو :
دفع الإشكال المزبور أعني : لزوم اندراج جلّ الواجبات النفسية في الواجبات الغيرية عمن فسر الواجب النفسي : «بما أمر به لنفسه» ، والغيري : «بما أمر به لأجل غيره».
وحاصل الدفع : أنه من المحتمل أن يريد من هذا التفسير ما ذكرناه من كون الواجب النفسي : ما وجب لحسن نفسه ، والغيري : ما وجب لحسن غيره كالمقدمة ، فحينئذ لا يرد عليه الإشكال المذكور ؛ لما عرفت : من عدم التنافي بين كون الشيء واجبا نفسيا لأجل حسنه الذاتي ، وبين كون مقدمة لمطلوب واقعا وهو الأثر المترتب عليه ، وهذا ما أشار إليه بقوله : «فلا يتوجه عليه ...» إلخ.
(٢) قوله : «فإن المطلوب النفسي ...» إلخ تقريب للاعتراض وهو : اندراج جلّ الواجبات النفسية في الواجبات الغيرية ؛ حيث إن أكثر الواجبات مطلوبات لأجل الغايات المترتبة عليها ، فيلزم أن تكون تلك الواجبات واجبات غيرية على القول بأن الواجبات الغيرية غيرية لأجل كونها مطلوبة لأجل الغايات التي هي خارجة عن حقيقتها ، والواجبات النفسية نفسية لأجل كونها مطلوبة بنفسها لا لأجل الغايات المترتبة عليها.
وهذا بخلاف ما ذكرناه من أن المراد بالواجب النفسي : ما يكون واجبا لحسنه الذاتي وإن كان مما يترتب عليه الأثر إلّا إن وجوبه ليس لترتب الأثر عليه ، وكونه مقدمة لغاية