موافقته ، ولا مثوبة على امتثاله ، فكيف حال بعض المقدمات كالطهارات ؛ حيث لا شبهة في حصول الإطاعة والقرب والمثوبة بموافقة أمرها؟ هذا مضافا إلى أن الأمر الغيري (١) لا شبهة في كونه توصليا ، وقد اعتبر في صحتها إتيانها بقصد القربة.
وأما الثاني (٢) : فالتحقيق أن يقال : إن المقدمة فيها بنفسها مستحبة وعبادة ، وغاياتها (٣) إنما تكون متوقفة على إحدى هذه العبادات ، فلا بد أن يؤتى بها عبادة ،
______________________________________________________
(١) هذا هو الإشكال الثاني : وحاصل الكلام فيه : أن الأمر في الواجب الغيري توصلي ، وليس الغرض منه إلّا التوصل إلى ذيه ، فهو مما يحصل الغرض به بمجرد إتيانه كيفما اتفق ، ولا يعتبر فيه قصد القربة والامتثال ، وعليه : فيكف يعتبر في الطهارات الثلاث قصد القربة والامتثال؟ ولا يكفي مجرد الإتيان بها بدون قصد القربة إجماعا ـ مع كونها واجبات غيرية لا يعتبر فيها قصد القربة ـ لأن كل واجبات غيرية توصلية ، وكل الواجبات التوصلية لا يعتبر فيها قصد القربة ، فالطهارات الثلاث لا يعتبر فيها قصد القربة لكونها واجبات غيرية؟
والحال : قد اعتبر في صحتها إتيانها بقصد القربة ، ولا تصح بلا قصد أمرها ، ولازم ذلك : أنها من العبادات ، وتكون أوامرها نفسية ؛ لأن العبادية من شئون الأوامر النفسية. هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح الإشكالين.
(٢) والدفع : أما دفع الإشكال الأول : ـ وهو ترتب الثواب على الطهارات ـ فيندفع بما حاصله : من أن الطهارات الثلاث ـ مع قطع النظر عن تعلق الأمر الغيري بها ـ عبادات مستحبة ، كما يظهر من أدلتها ، فيترتب عليها الثواب لأجل أمرها النفسي الاستحبابي ؛ لا لامتثال أمرها الغيري.
أما دفع الإشكال الثاني : ـ وهو اعتبار قصد القربة فيها مع كونها مقدمة ـ فيندفع : بأنها بما هي عبادات جعلت مقدمة لعبادة أخرى ، فيعتبر في صحتها قصد القربة لكونها من العبادات ؛ لا لاقتضاء الأمر الغيري.
(٣) أي : غايات الطهارات الثلاث ؛ كالصلاة والطواف وغيرهما لا تترتب على تلك الطهارات ، إلّا إن يؤتى بها على وجه العبادة ، فهي وإن كانت مقدمات لغاياتها إلّا إنها في الحقيقة عبادات ؛ بمعنى : أن أمرها النفسي العبادي موضوع للأمر الغيري المقدمي ، فموضوع الأمر الغيري عبادة ، فلا مورد للإشكال على الطهارات الثلاث بأنه : كيف يعتبر فيها قصد القربة مع كونها مقدمة ؛ وكيف يترتب عليها الثواب مع كون الأمر فيها غيريا؟
وبعبارة أخرى : أن جواب المصنف عن الإشكالين يتضح بعد تقديم مقدمة وهي : إن