قلت (١) : نعم ؛ لكن لا محيص عن أن يكون ما يحصل به الغرض من الفعل الاختياري للمكلف متعلقا للطلب ، فيما لم يكن فيه مانع ، وهو كونه بالفعل محرما ، ضرورة : أنه لا يكون بينهما تفاوت أصلا ، فكيف يكون أحدهما متعلقا له فعلا دون الآخر؟
______________________________________________________
(١) هذا جواب عن الإشكال : وحاصله : نعم ؛ قد يسقط الأمر بغير المأمور به ، مما يحصل به الغرض ، ولكن الكلام هنا في الفعل الاختياري الصادر من المكلف نفسه ، ولم يكن فيه مانع عن اتصافه بالوجوب أي : بأن لا يكون محرما بالفعل ، ففي مثله إذا سقط الأمر بمجرد الإتيان به فهو لا محالة يكشف عن اتصافه بالوجوب ، من غير تفاوت فيه بين ما يترتب عليه الواجب ، وما لا يترتب عليه أصلا.
وبعبارة أخرى ـ على ما في «منتهى الدراية ج ٢ ، ص ٣٠٩» ـ أن سقوط الأمر بغير الثلاثة المتقدمة أحيانا وإن كان مسلما ، إلّا إن المحصل للغرض إن كان فعلا اختياريا للمكلف ، ولم تعرضه جهة من الجهات الموجبة لحرمته ، فلا محالة يكون واجبا كغيره من الأفعال الاختيارية المتصفة بالوجوب ؛ لوجود المقتضي لوجوبه ، وعدم المانع عنه وهو الجهة المحرمة ، واتحاد حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز ، ويكون الإتيان به مسقطا للأمر ؛ لأجل الامتثال وسقوط الأمر بالمقدمة في مورد البحث من هذا القبيل ، أي : أنه لأجل الامتثال ؛ لتعلق الطلب به حسب الفرض ، فيختص سقوط الأمر ـ لا لأجل الامتثال ـ بما إذا لم يتعلق به الطلب ، إما لخروجه عن حيّز اختياره ؛ كما إذا كان فعل الغير كتطهير الغير الثوب أو البدن ، وأما لحرمته ؛ كالتطهير بالماء المغصوب ، فإنه لا يتعلق به الوجوب للتضاد بين كون الفعل للغير ، وبين تعلق الطلب به ، كما في الأول ، وكذا بين كونه حراما وتعلق الطلب به ، كما في الثاني.
وعليه : فلا يمكن أن يقال : إن المقدمة غير الموصلة ليست بواجبة وإن كانت مسقطة للأمر ؛ لحصول الغرض.
قوله : «فكيف يكون أحدهما متعلقا له فعلا ، دون الآخر؟» إشارة إلى عدم التفاوت بين المقدمة الموصلة وغير الموصلة في وجود المقتضي للوجوب الغيري ، وعدم المانع عن الاتصاف بالوجوب ، ومع عدم التفاوت بينهما يكون وجوب أحدهما ـ وهو الموصل دون الآخر غير الموصل ـ ترجيحا بلا مرجح.
فتحصل من جميع ما أفاده المصنف : أن معروض الوجوب الغيري هو مطلق المقدمة لا خصوص الموصلة ؛ لأن الغرض من المقدمة ـ وهو التمكن من ذيها ، وسد باب عدم ذيها من ناحيتها ـ موجود في مطلق المقدمة ، لا خصوص الموصلة.