وبلا عوض ؛ بل كان وجوده المطلق مطلوبا كالصناعات الواجبة كفائية ؛ التي لا يكاد ينتظم بدونها البلاد ، ويختل لولاها معاش العباد ، بل ربما يجب أخذ الأجرة عليها لذلك ، أي : لزوم الاختلال وعدم الانتظام لو لا أخذها (١) ، هذا (٢) في الواجبات التوصلية.
وأما الواجبات التعبدية : فيمكن (٣) أن يقال : بجواز أخذ الأجرة على إتيانها
______________________________________________________
الأجرة عليه ؛ بل يجوز أخذ الأجرة على الواجبات التعبدية إذا كان أخذها من قبيل الداعي إلى الداعي كي لا ينافي عباديتها.
(١) أي : لو لا أخذ الأجرة لزم اختلال النظام ، فيجب أخذ الأجرة على ما يتوقف عليه النظام.
(٢) أي : ما ذكرناه من جواز أخذ الأجرة إنما هو في الواجبات التوصلية.
(٣) أي : قوله : «فيمكن أن يقال بجواز أخذ الأجرة ...» إلخ إشارة إلى دفع الإشكال على أخذ الأجرة على الواجبات التعبدية ، فلا بد أولا من بيان الإشكال وثانيا : من بيان الدفع.
أما الإشكال على جواز أخذ الأجرة على العبادة فهو بوجهين :
أحدهما : منافاة الأجرة لقصد القربة ؛ لأن الداعي إلى فعلها هو الأجرة لا القربة ، فعدم جواز أخذ الأجرة مستند إلى فوات شرط صحة العبادة ، وما به قوام عباديتها.
ثانيهما : أن أخذ الأجرة بإزاء الواجبات العبادية يكون أكلا للمال بالباطل ضرورة :
أنه يشترط في صحة الإجارة ـ كغيرها من العقود المعاوضية ـ وجود نفع يعود إلى المستأجر عوضا عن الأجرة ، إذ لولاه لزم خلاف مقتضى المعاوضة ، ولا يوجد في العبادات الواجبة نفع حتى يعود إلى المستأجر ، فيكون أخذ المال بإزائها أكلا بالباطل. وهذا ما أشار إليه بقوله : «غاية الأمر : يعتبر فيها ، كغيرها ... إلخ».
هذا تمام الكلام في الإشكال بالوجهين.
وأما توضيح ما أفاده في دفع الوجه الأول ؛ فيتوقف على مقدمة وهي : إن الأجرة تارة : تبذل بإزاء نفس الواجب ، وأخرى : تبذل لإحداث الداعي إلى الإتيان بالواجب وإيجاده بداعي أمره. والفرق بينهما هو : أن بذل الأجرة بإزاء نفس الواجب العبادي ينافي القربة المعتبرة في عبادية الواجب ، هذا بخلاف بذل الأجرة لإحداث الداعي إلى إيجاد العمل الواجب بداعي أمره ، فلا ينافي عباديته ؛ بل تقع العبادة عن دعوة أمرها. غاية الأمر : يكون الداعي إلى إتيانها بدعوة أمرها هو أخذ الأجرة.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن ما ذكر من الإشكال أعني : منافاة الأجرة لقصد