منها ما يتمكن معه من ترك الحرام أو المكروه اختيارا كما كان متمكنا قبله ، فلا دخل له أصلا في حصول ما هو المطلوب من ترك الحرام أو المكروه ، فلم يترشح من طلبه طلب ترك مقدمتهما.
______________________________________________________
وتوضيح ما أفاده المصنف ـ في مقدمات الحرام والمكروه ـ يتوقف على مقدمة وهي : أن مقدمات الحرام والمكروه على قسمين :
الأول : ما يتمكن المكلف مع فعلها من ترك الحرام أو المكروه ؛ لعدم كونها علة تامة لوجود الحرام أو المكروه ، ولا جزءا أخيرا من العلة التامة لوجودهما.
الثاني : ما لا يتمكن مع فعلها من تركهما ؛ لكونها علة تامة أو جزءا أخيرا منها لوجودهما.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن المقدمة لو كانت من قبيل القسم الأول فلا تكون حراما ؛ إذ المفروض : عدم كون فعلها مستلزما لفعل ذيها ؛ لعدم كونها علة تامة ولا جزءا أخيرا منها لوجود الحرام ، فلا وجه لاتصافها بالحرمة لكونها فاقدة لملاك المقدمية ، وهو توقف ترك الحرام أو المكروه على تركها.
فلو فرض : أن المكلف أتى بذي المقدمة بعد ما أتى بهذه المقدمة كان إتيانه مستندا إلى سوء اختياره ، لا إلى هذه المقدمة ، فلمّا لم يكن ترك هذه المقدمة دخيلا في ترك الحرام أو المكروه ، فلا يترشح من طلب ترك الحرام أو المكروه طلب غيري على ترك هذه المقدمة ، فلو أتى بجميع المقدمات إلّا المقدمة الأخيرة التي يترتب عليها الحرام لم يأت بمحرم ، ولا يتصف شيء من تلك المقدمات المأتي بها بالحرمة.
ومن هنا : يتضح الفرق بين مقدمات الواجب ومقدمات الحرام.
وخلاصة الفرق بينهما : أن الواجب في الحرام هو ترك الحرام ، ومقدمته هي ترك إحدى مقدمات وجود الحرام لا ترك جميعها ؛ لأن ترك الحرام لا يتوقف على ترك جميعها ، لوضوح : حصول الترك الواجب بترك إحدى مقدمات الحرام ، فمعروض الوجوب المقدمي حينئذ هو : ترك إحدى المقدمات تخييرا.
هذا بخلاف مقدمات الواجب ؛ حيث يكون وجود كل واحدة منها مما يتوقف عليه وجود الواجب النفسي ، فيجب جميع مقدماته. فمعروض الوجوب الغيري في مقدمة الواجب هو : فعل جميع المقدمات ، وفي مقدمة الحرام هو : ترك إحدى المقدمات على البدل لتحقق الواجب وهو ترك الحرام به ، فلا مقتضى لوجوب ترك الجميع.
وكيف كان ؛ فالمقدمة المحرمة من مقدمات الحرام هي : خصوص المقدمة التي لا يتمكن مع فعلها من ترك الحرام.