على ما سيظهر ، كما أن المراد بالضد هاهنا ، هو مطلق المعاند والمنافي وجوديا كان أو عدميا.
الثاني : (١) أن الجهة المبحوثة عنها في المسألة وإن كانت أنه : هل يكون للأمر اقتضاء بنحو من الأنحاء المذكورة ، إلّا إنه لمّا كان عمدة القائلين بالاقتضاء في الضد الخاص ، إنما ذهبوا إليه لأجل : توهم مقدمية ترك الضد ؛ كان المهم صرف عنان الكلام في المقام إلى بيان الحال ، وتحقيق المقال في المقدمية وعدمها.
فنقول وعلى الله الاتكال : إن توهم توقف الشيء على ترك ضده ليس إلّا من جهة المضادة والمعاندة بين الوجودين ، وقضيتهما الممانعة بينهما.
______________________________________________________
واجبا من باب المقدمة ، كما سيظهر إن شاء الله تعالى». وقد تقدم ما هو المراد بالضد في محل البحث ، فلا حاجة إلى التكرار.
وكيف كان ؛ فالضد في اصطلاح الأصوليين : هو مطلق المعاند ، فيشمل جميع أقسام التقابل ؛ غير تقابل التضايف بقرينة تقسيمهم له إلى الضد الخاص والضد العام بمعنى الترك ، هذا بخلاف الضد في اصطلاح أهل المعقول : فهو قسم من أقسام التقابل ؛ أعني تقابل التضاد.
(١) الغرض من عقد هذا الأمر : دفع شبهة ، وهي : أن جلّ القائلين بالاقتضاء في الضد الخاص ، كاقتضاء الأمر بإزالة النجاسة عن المسجد للنهي عن الصلاة مثلا ؛ لمّا استندوا في هذا الاقتضاء إلى مقدمية ترك أحد الضدين لوجود الآخر ، فلا بد أولا من بيان الشبهة ؛ بتقريب مقدمية ترك أحد الضدين للآخر ، فيقال : إن عدم أحد الضدين مقدمة للضد الآخر ، ومما يتوقف عليه الضد الآخر ، فإذا أوجب أحدهما وجبت مقدماته ، ومنها عدم ضده ، فإذا أوجب ترك الضد الخاص فقد حرم فعل ذلك قهرا.
أما مقدمية عدم أحد الضدين للآخر : فبأن التمانع والتعاند بين الضدين مما لا شبهة فيه ، وإذا كان كل من الضدين مانعا عن حصول الآخر ؛ كان عدم كل منهما من أجزاء علة الآخر ، لأن عدم المانع من أجزاء العلة ، وقد فرض مانعية الضد ، فعدمه من أجزاء علة ضده ، وإذا كان من أجزاء العلة كان من المقدمات ، كما أشار إليه بقوله : «ومن الواضحات : أن عدم المانع من المقدمات» ، وتقريب الشبهة : أن كلا من الضدين مانع عن الآخر ، وكون عدم المانع من أجزاء العلة التي هي مقدمة على المعلول ، وهذان الأمران أوجبا توهم مقدمية عدم أحد الضدين لوجود الضد الآخر ، فلهذا ذهب جلّهم إلى الاقتضاء لأجل المقدمية.