نعم ؛ (١) العلة التامة لأحد الضدين ربما تكون مانعا عن الآخر ومزاحما لمقتضيه في تأثيره مثلا : تكون شدة الشفقة على الولد الغريق وكثرة المحبة له ، تمنع عن أن يؤثر ما في الأخ الغريق من المحبة والشفقة لإرادة إنقاذه مع المزاحمة فينقذ به الولد دونه ، فتأمل جيدا (٢).
ومما ذكرنا (٣) ظهر : أنه لا فرق بين الضد الموجود والمعدوم ، في أن عدمه الملائم
______________________________________________________
(١) هذا استدراك على ما تقدم ؛ من كون عدم أحد الضدين دائما مستندا إلى عدم مقتضيه ، لا إلى وجود المانع وهو الضد الآخر.
وحاصل الاستدراك ـ على ما «في منتهى الدراية ، ج ٢ ، ص ٤٤٩» ـ : أنه قد يتفق أن يكون عدم أحد الضدين مستندا إلى وجود المانع وهو الضد الآخر ، كما إذا كان المقتضي لكل واحد من الضدين موجودا ، وكان مقتضي أحدهما أقوى من مقتضي الآخر ، فإن الأقوى يؤثر في مقتضاه ، فيوجد ، ويعدم الآخر ، فلا محالة يستند حينئذ عدم الآخر إلى المانع ، وهو علة وجود الضد الآخر ؛ لا إلى عدم مقتضيه ، إذ المفروض : وجوده كالمثال المذكور في المتن ، فإن المقتضي لإنقاذ الأخ ـ وهو الشفقة ـ موجود ، فعدمه لا محالة يستند إلى المانع ؛ وهو زيادة الشفقة على الولد ، فليس عدم الضد دائما مستندا إلى عدم المقتضي ، بل قد يستند إلى وجود المانع ؛ وهو علة وجود الضد الآخر.
(٢) أي : تأمل جيدا حتى تعرف الفرق بين عدم هذا النحو من المانع الذي يصح عدّه من المقدمات ، وبين عدم مانع يكون في رتبة الضد فلا يصح عدّه من المقدمات.
(٣) أي : مما ذكرنا من إن عدم أحد الضدين ليس من مقدمات الضد الآخر ؛ ظهر حال القول بالتفصيل بين الضد الموجود وبين الضد المعدوم ، فيكون عدم الأول مقدمة لوجود الآخر ؛ دون الثاني أي : لا يكون عدم الضد المعدوم مقدمة لوجود الضد الآخر. فحاصل التفصيل هو تسليم المقدمية في الضد الموجود دون المعدوم ، مثلا : إذا كان الجسم مشغولا بالسواد كان بياضه موقوفا على رفع السواد وعدمه ؛ لاستحالة اجتماع الضدين في محل واحد ، فيتوقف وجود أحد الضدين على عدم الآخر ، ويكون عدم أحدهما مقدمة للآخر.
وأما إذا لم يكن أحد الضدين موجودا في محل ؛ بأن لم يكن الجسم مشغولا بالسواد ، فلا يتوقف وجود البياض فيه على عدم السواد ، فعدم الضد المعدوم لا يكون مقدمة لوجود الآخر.
فهذا القول : مركب من جزءين :