الأمر الثالث : (١) أنه قيل : (٢) بدلالة الأمر بالشيء بالتضمن على النهي عن الضد العام بمعنى الترك ، حيث إنه يدل على الوجوب المركب من طلب الفعل ، والمنع عن الترك.
والتحقيق : (٣) أنه لا يكون الوجوب إلّا طلبا بسيطا ومرتبة وحيدة أكيدة من
______________________________________________________
(١) الغرض من عقد هذا الأمر : بيان عدم الاقتضاء بنحو التضمن والعينية.
(٢) القائل : هو صاحب المعالم ، قال «قدسسره» : ما لفظه : «لنا على الاقتضاء في المقام ـ بمعنى الترك ـ : ما علم ؛ من أن ماهية الوجوب مركبة من أمرين : أحدهما : المنع من الترك ، فصيغة الأمر الدالة على الوجوب دالة على النهي عن الترك بالتضمن ، وذلك واضح». معالم الدين ، ص ١٧٨.
توضيح ـ ما في المعالم ـ يتوقف على مقدمة وهي : الفرق بين الدلالة المطابقية والتضمنية والالتزامية ، والأولى : هي دلالة اللفظ على تمام ما وضع له ، كدلالة لفظ الإنسان على «الحيوان الناطق».
والثانية : هي دلالة اللفظ على ما هو جزء لما وضع له ؛ كدلالة لفظ الإنسان على «الحيوان أو الناطق» فقط.
والثالثة : هي دلالة اللفظ على ما هو خارج عما وضع له ؛ إلّا إنه لازم لما وضع له ؛ كدلالة لفظ الإنسان على الكتابة.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن الأمر موضوع للوجوب الذي هو مركب من طلب الفعل والمنع من الترك ، فالأمر يدل على الوجوب مطابقة وعلى المنع من الترك تضمنا ، من باب دلالة اللفظ على جزء الموضوع له ، فيكون اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عنه بالتضمن.
(٣) أي : والتحقيق في بطلان هذا القول. توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن دلالة الأمر على النهي عن الشيء بالتضمن إنما يصح فيما إذا كان معنى الأمر ـ وهو الوجوب ـ مركبا من جزءين ، كما تقدم في تقريب قول صاحب المعالم.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن معنى الأمر ـ وهو الوجوب ـ ليس مركبا من جزءين : أحدهما : طلب الفعل ، والآخر : المنع من الترك ، بل حقيقة الوجوب أمر بسيط حيث إنه عبارة عن مرتبة أكيدة من الطلب يعبر عنها بالطلب الشديد ، كما أن الندب هو الطلب الضعيف ، نعم ؛ يكون المنع من الترك من لوازم الطلب الشديد ، كما أن عدم المنع من لوازم الطلب الضعيف ، فتعريف جلّ الأصوليين للوجوب ـ بأنه طلب الفعل مع المنع من الترك ـ تعريف له بلازمه ؛ لما عرفت : من أن لازم المرتبة الشديدة من الطلب هو