تمامه (١) يمكن أن يقال : أنه حيث كان الأمر بها على حاله وإن صارت مضيقة بخروج ما زاحمه الأهم من أفرادها من تحتها ؛ أمكن أن يؤتى بما زوحم منها بداعي ذاك الأمر ، فإنه وإن كان خارجا عن تحتها بما هي مأمور بها ؛ إلّا إنه (٢) لمّا كان وافيا
______________________________________________________
وحاصل الاستدراك : أنه يمكن تصحيح العبادة بالأمر في مورد خاص وهو : ما إذا كان المهم ـ كالصلاة ـ موسعا ، وزوحم في بعض وقته بواجب أهم كإنقاذ غريق أو إطفاء حريق.
وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن للواجب الموسع ـ كالصلاة مثلا ـ أفراد عرضية ، كالصلاة في المسجد وفي البيت وفي الحسينية ، وأفراد طولية ـ كالصلاة في أول الوقت وآخر الوقت ـ.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن مزاحمتها بالواجب الأهم كإنقاذ الغريق إنما هي في بعض أفراد طولية كالصلاة في أول الوقت ، وتلك المزاحمة توجب خروج ذلك البعض عن حيّز الأمر المتعلق بطبيعة المهم ، فلا أمر بالنسبة إلى الأفراد المزاحمة ، فيختص الأمر بالأفراد غير المزاحمة ـ وهي ما يمكن الإتيان به بعد زمان الأهم ـ فإذا عصى الأمر بالأهم وأتى بالمهم ـ بقصد الأمر المتعلق بغير الأفراد المزاحمة ـ صح الضد العبادي ؛ مثلا : لو غرق مسلم أول الظهر ، ثم ترك الشخص الإنقاذ واشتغل بالصلاة حتى هلك الغريق فإنه يمكن أن يأتى بالصلاة بقصد الأمر المتعلق بها بعد وقت الأهم ، فإن أمر الصلاة إنما سقط في أول الوقت مقدار زمان انقاذ الغريق ، أما بعد عصيان أمر الأهم ، وهلاك الغريق فالأمر بالمهم باق ، فلا حاجة حينئذ إلى قصد الملاك لتصحيح الضد العبادي ، كالصلاة مثلا.
(١) أي : لم تكن مزاحمة المهم بالأهم في تمام وقت المهم ؛ إذ لو كانت المزاحمة في تمام الوقت سقط طلب طبيعة المهم رأسا للمزاحمة.
(٢) أي : أن الفرد المزاحم لمّا كان وافيا بالغرض كالباقي تحت العبادة ؛ كان مثل الباقي ، يعني : كما يصح الإتيان بالأفراد غير المزاحمة لوفائها بغرض المولى ، كذلك يصح الإتيان بالفرد المزاحم بداعي أمر الطبيعة وإن كان خارجا عن دائرة الطبيعة بوصف كونها مأمورا بها ، ولا تفاوت في نظر العقل بين الفرد المزاحم بالأهم ، وبين غيره من الأفراد غير المزاحمة له في الوفاء بالغرض ، وسقوط الأمر ، وصحة الإتيان به بداعي أمر الطبيعة.
وكيف كان ؛ فالمزاحمة لا توجب سقوط الأمر عن طبيعة المهم رأسا ، بل توجب سقوطه عن الفرد المزاحم بالأهم ، وصيرورة وقت المهم مضيقا لاختصاصه بغير وقت الأهم ، فالأمر بسائر أفراد المهم ـ مما لا يزاحم ـ باق على حاله ، فلا مانع من الإتيان بالمهم