نعم ؛ (١) لو كان المراد من لفظ الأمر : الأمر ببعض مراتبه ، ومن الضمير الراجع إليه
______________________________________________________
وحاصل الدفع : أن جعل الجواز في العنوان بمعنى الإمكان الذاتي «بعيد عن محل الخلاف بين الأعلام» ، إذ لا شك في إمكان الأمر ذاتا مع العلم بانتفاء الشرط ؛ لبداهة : أن الأمر بالنظر إلى ذاته ممكن لا مانع منه عقلا. فلا وجه لأن يجعل موردا للخلاف والنزاع ، فلا بدّ من أن يكون المراد بالإمكان الإمكان الوقوعي ، لا الذاتي ، فمعنى العنوان حينئذ هل يمكن وقوع أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه أم لا؟
(١) استدراك على قوله : «لا يجوز أمر الآمر ...» إلخ.
وحاصل الاستدراك : أنه يمكن الالتزام بجواز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه ، فيما إذا أريد من لفظ الأمر بعض مراتبه ـ وهو الإنشاء ـ ومن ضمير ـ شرطه ـ الراجع إليه : بعض مراتبه الآخر وهي الفعلية.
توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن للأمر ـ على مذهب المصنف ـ مراتب :
الأولى : الاقتضاء يعني : المصالح والمفاسد الواقعية التي تقتضي الأحكام الإلزامية على مذهب الحق وهو مذهب العدلية.
الثانية : مرتبة الإنشاء : وهي إنشاء الحكم على طبق المصالح أو المفاسد.
الثالثة : مرتبة الفعلية : وهي الأحكام بعد بيانها وقبل علم المكلفين بها.
الرابعة : مرتبة التنجّز : وهي بعد بلوغ الأحكام إلى المكلفين وعلمهم بها.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن محل النزاع حينئذ هو : أنه هل يجوز للآمر الأمر الإنشائي مع علمه بعدم شرطه فعليته أم لا؟ بأن يكون المراد من لفظ الأمر في عنوان البحث : مرتبة إنشائه ، ومن الضمير الراجع إليه في لفظ شرطه : مرتبة فعليته على سبيل الاستخدام ؛ إذ تحرير محل النزاع على هذا النحو لا بأس به. والحق حينئذ : جوازه إذ لا محذور في نفس الإنشاء مع عدم شرط فعليته كقوله : «حج إن استطعت» ، حيث إنه ليس بداعي البعث الجدّي حتى يقبح ذلك على الحكيم ، أو يمتنع للزوم وجود المعلول بدون علته التامة ، لأن ذلك إنما يلزم إذا أريد بالأمر البعث الفعلي.
وأما إذا أريد به مجرد الإنشاء ، فلا محذور فيه أصلا لكثرة الأغراض الداعية إلى الإنشاء ، وعدم انحصار الغرض منه في كونه بداعي الجد وإن كان ذلك هو الغالب في أوامر الموالي ، ولذا ينصرف إليه إطلاق الأمر ، لكنه أجنبي عن مقام الثبوت المبحوث عنه ؛ إذ التمسك بالإطلاق إنما هو في مقام الإثبات.
وكيف كان ؛ فالنزاع في جواز إنشاء الأمر مع علم الآمر بعدم بلوغه إلى المرتبة الفعلية ، وقد عرفت : أن البعث والتحريك الإنشائي مع العلم بفقد شرط فعليته جائز ، إذ لا محذور فيه.