فصل
الحق : أن الأوامر والنواهي تكون متعلقة بالطبائع دون الأفراد ، ولا يخفى : أن المراد (١) أن متعلق الطلب في الأوامر هو صرف الإيجاد كما أن متعلقه في النواهي هو : محض
______________________________________________________
أوامر تتعلق بالطبائع أو الأفراد؟
(١) قد نبّه المصنف بهذه العبارة على أمرين :
أحدهما : أنه ليس البحث في المقام ـ كما يوهمه العنوان ـ في متعلق الأوامر والنواهي ، فإن متعلقهما هي الطبائع بلا إشكال ؛ لدلالة الأمر والنهي على الوجود والعدم ، فإن الأمر معناه : طلب الوجود ، والنهي : طلب الترك. ومن المعلوم : أن متعلق هذين المدلولين هو الطبائع ، فمعنى : «صلّ ولا تشرب الخمر» طلب وجود طبيعة الصلاة ، وطلب ترك طبيعة شرب الخمر ؛ بل البحث في متعلق الطلب الذي هو جزء مدلولي الأمر والنهي ، وفي أن متعلق هذا الطلب هل هو الطبيعة أو الفرد؟
وثانيهما : أن مراد القائلين بتعلق الأوامر والنواهي بالأفراد : ليس تعلقهما بالموجودات الخارجية ، ضرورة : أن الموجود الخارجي مسقط للأمر ، فكيف يتعلق به الأمر؟ كما أن مراد القائلين بالطبائع ليس هو الطبائع الصرفة من حيث هي ، في قبال الطبائع من حيث الوجود ؛ لأن الطبائع مع قطع النظر عن وجودها غير قابلة لتوجيه الطلب إليها ، بل المراد : هي الطبائع من حيث مطلق الوجود ، مع قطع النظر عن ضم الخصوصيات الخارجية إليها.
ومن هنا ظهر : ما هو المراد بالطبائع والأفراد في محل النزاع. فالمراد بالطبائع : أن المطلوب منها وجودها السعي بما هو وجود لا بما هو فرد.
والمراد بالأفراد : وجود الطبيعة مع اللوازم والخصوصيات الوجودية ، التي بها يكون الفرد فردا لها.
فالفرق بين القولين أن للخصوصيات الفردية دخل في متعلق الطلب على القول بتعلقها بالأفراد ، وليس لها دخل فيه على القول بتعلقها بالطبائع.
فالمتحصل : أن مرجع النزاع في هذه المسألة إلى : أن الأوامر هل تتعلق بالطبائع مع قطع النظر عن مشخصاتها ، ولوازم وجوداتها في الخارج ؛ بحيث تكون تلك المشخصات