فصل
إذا نسخ الوجوب : فلا دلالة لدليل الناسخ ولا المنسوخ على بقاء الجواز بالمعنى الأعم ، ولا بالمعنى الأخص.
______________________________________________________
مبحث نسخ الوجوب
وقبل الخوض في البحث ينبغي بيان ما هو محل الكلام في المقام.
فنقول : إن محل النزاع هو : بقاء الجواز بالمعنى الأعم ، أو بالمعنى الأخص في مقام الإثبات لدلالة الدليل الناسخ أو المنسوخ أو غيرهما عليه ، لا بقاؤه في مقام الثبوت والواقع ، إذ لا يخلو الواقع عن حكم من الأحكام.
إذا عرفت ذلك فنقول : إن جماعة ذهبوا إلى بقاء الجواز بالمعنى الأعم ـ وهو الإذن في الفعل المشترك بين الأحكام الأربعة غير الحرمة ـ واستدلوا على ذلك : بدلالة الدليل المنسوخ ؛ بتقريب : أنه قبل النسخ كان يدل بالمطابقة على الوجوب ، وبالتضمن على الجواز ؛ لأنه جزء الوجوب المركب من الإذن في الفعل والمنع من تركه ، فإذا ارتفعت دلالته المطابقية عن الحجية بواسطة الناسخ ؛ تبقى دلالته التضمنية على حالها لعدم تبعية الدلالة التضمنية للدلالة المطابقية في الحجية.
والمصنف لم يرتض هذا المذهب ، ولذا قال : «إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدليل الناسخ ولا المنسوخ على بقاء الجواز بالمعنى الأعم». أعني : الإذن في الفعل ، «ولا بالمعنى الأخص» أعني : الإباحة الشرعية مقابل الأحكام الأربعة الأخرى ، «كما لا دلالة لهما على ثبوت غيره من الأحكام» ، فيقع الكلام تارة : في عدم دلالة الدليل الناسخ على بقاء الجواز مطلقا.
وأخرى : في عدم دلالة الدليل المنسوخ عليه كذلك.
وثالثة : في عدم دلالتهما على ثبوت غير الجواز من الأحكام.
فنقول : إذا أوجب المولى إكرام العلماء بقوله : «أكرم العلماء» ثم نسخ وجوبه بقوله : «نسخت الوجوب» فلا دلالة للدليل الناسخ ، ولا للدليل المنسوخ على بقاء الجواز لا بالمعنى الأعم ، ولا بالمعنى الأخص ، ولا دلالة لهما أيضا على ثبوت غيره من الأحكام.