يقوم به كل واحد منهما ؛ بحيث إذا أتى بأحدهما حصل به تمام الغرض ، ولذا (١) يسقط به الأمر ؛ كان الواجب في الحقيقة هو الجامع بينهما ، وكان التخيير بينهما بحسب الواقع عقليا لا شرعيا ، وذلك (٢) لوضوح : إن الواحد لا يكاد يصدر من الاثنين بما هما اثنان ، ما لم يكن بينهما جامع في البين ، لاعتبار (٣) نحو من السنخية بين العلة والمعلول.
______________________________________________________
بأن يكون في كل واحد منهما أو منها غرض مستقل ، ولكن لا يحصل الغرض من أحدهما مع حصوله من الآخر ؛ لما بينهما من التضاد المفوّت أحدهما للآخر ، بحيث لو أتى بأحدهما أو أحدها فات غرض الآخر ، فإتيانه لغو ، فلا بدّ من الاكتفاء بإتيان أحدهما أو أحدها في مقام الامتثال.
فلا محيص عن كون كل منهما أو منها واجبا في ظرف عدم الآخر ، لأنه مقتضى تبعية الوجوب للملاك والغرض ، فيكون وجوبهما أو وجوبها تخييريا لا تعيينيا ، إذ المفروض : امتناع استيفاء كلا الغرضين ، وإمكان استيفاء أحدهما أو أحدها ، فيمتنع أن يكون وجوب كل منهما أو منها تعيينيا.
فالمتحصل : أنه إذا كان الغرض متعددا ، وكان كل واحد منه قائما بفعل ؛ إلّا إن حصول واحد من الغرض مضاد لحصول الآخر ، فلا يمكن الجمع بينهما في الخارج ؛ فحينئذ لا مناص من الالتزام بوجوب كل منهما بنحو يجوز تركه إلى بدل لا مطلقا ، ضرورة : أنه بلا موجب ومقتض ؛ بعد فرض : أن الغرضين المترتبين عليهما متضادان بحيث لا يمكن تحصيل كليهما معا ، وعليه : فيكون التخيير بينهما شرعيا ضرورة : مرجع هذا إلى وجوب هذا أو ذاك ، ولا نعني بالتخيير الشرعي إلّا هذا.
إلّا إن هذا الفرض بعيد جدا ؛ لأن فرض كون الغرضين متضادين بحيث لا يمكن الجمع بينهما في الخارج ، مع فرض كون المكلف قادرا على إيجاد الفعلين بعيد جدا ؛ إذ لا يعقل التضاد بين الغرضين مع عدم المضادة بين الفعلين.
وكيف كان ؛ فتحصل مما ذكر : أنه في حال كون الغرض واحدا يكون الجامع بين الأمرين واجبا ، والتخيير بينهما عقلي ، وحال كون الغرض متعددا يكون الأمران واجبين ، ولكن التخيير بينهما شرعي ، فهما واجبان تخييرا.
(١) يعني : لأجل حصول تمام الغرض يسقط الأمر المترتب عليه بالإتيان بواحد منهما.
(٢) قوله : «وذلك» إشارة إلى برهان وجوب الجامع ، وكون التخيير عقليا كما عرفت.
(٣) يعني : لو لا اعتبار السنخية بين العلة والمعلول لأثّر كل شيء في كل شيء ؛ كما قيل في علم الفلسفة.