وعليه : فجعلهما متعلقين للخطاب الشرعي ، لبيان أن الواجب هو الجامع بين هذين الاثنين.
وإن كان (١) بملاك أنه يكون في كل واحد منهما غرض ، لا يكاد يحصل مع حصول الغرض في الآخر بإتيانه ؛ كان كل واحد واجبا بنحو (٢) من الوجوب ، يستكشف عنه تبعاته من عدم جواز تركه إلّا إلى الآخر ، وترتب الثواب على فعل الواحد منهما ، والعقاب على تركهما ، فلا وجه في مثله (٣) للقول بكون الواجب هو
______________________________________________________
(١) إشارة إلى المقام الثاني الذي تقدم تفصيل ذلك.
(٢) يعني : كان كل واحد واجبا مغايرا للوجوب التخييري العقلي الذي تقدم في المقام الأول ، وكذلك يكون واجبا مغايرا للوجوب التعييني المتوقف على ثبوت الغرض في كل منهما مطلقا ، والمفروض : عدم ثبوته كذلك لما عرفت : من أن الغرض يكون في كل واحد منهما في ظرف عدم الآخر.
فالمتحصل : أن الوجوب التخييري نحو من الوجوب «يستكشف عنه تبعاته» يعني : آثاره ، ومن آثاره : عدم جواز تركه إلّا إلى بدل ، إذ لا معنى لعدم جواز الترك إلّا الوجوب ، ومن آثاره : ترتب الثواب على فعل واحد منهما ، فترتب الثواب على فعل واحد منهما كاشف إنّا عن الوجوب ، لأن الثواب مترتب على إطاعة الحكم الوجوبي. هذا إذا أتى بواحد من الفعلين.
وأما إذا أتى بكليهما : فعلى القول بوجوب كل منهما في ظرف عدم الآخر ؛ لا يترتب الثواب أصلا لعدم وجوب شيء منهما حينئذ ، إذ المفروض : وجوب كل واحد منهما عند عدم الآخر ، وقد فات الشرط حال الجمع بينهما.
وأما على القول بكون الواجب خصوص ما يقوم به الغرض ـ سابقا كان أو لاحقا ـ يترتب الثواب على خصوص ما يقوم به الغرض دون الآخر.
ومن آثار الوجوب التخييري : ترتب العقاب على ترك الفعلين ، ولا عقاب إلّا على ترك الواجب ، فهذه الآثار تدل على وجوب كل منهما.
(٣) يعني : في مثل ما يكون التكليف متعلقا بكل واحد من الشيئين بملاك مستقل ؛ بمعنى : تعلق التكليف بأحد الشيئين على سبيل التخيير ، مع تعدد الملاك والغرض.
وغرض المصنف من هذا الكلام : تزييف الأقوال المبنيّة على تعدد الملاك والغرض ، وهي الأقوال الأربعة المذكورة ، مع فرض : تعدد الملاك في الجميع ، أو في البعض.