مطلقا ولو كان مقارنا ، فإن دخل شيء في الحكم به وصحة انتزاعه لدى الحاكم به ، ليس إلّا ما كان بلحاظه يصح انتزاعه ، وبدونه لا يكاد يصح اختراعه عنده ، فيكون دخل كل من المقارن وغيره بتصوره ولحاظه وهو مقارن ، فأين انخرام القاعدة العقلية في غير المقارن؟ فتأمل (١) تعرف.
وأما الثاني (٢) : فكون شيء شرطا للمأمور به ليس إلّا ما يحصل لذات المأمور به
______________________________________________________
المتأخر ، بل المقارن وهو مقارن مع المشروط زمانا ، فالصلاة التي تلحظ بالإضافة إلى البلوغ ، والعقل ، والقدرة ، والحياة ، تكون مأمورا بها وواجبة ، فلحاظها مقارن مع المشروط الذي هو الوجوب ، وكذا الحال في الوضع ؛ لأن عقد الفضولي الملحوظ معه إجازة المالك يؤثر في الملكية ، فلحاظ الإجازة يكون مع العقد المذكور دائما ، فلا يلزم انخرام القاعدة العقلية في شيء من شرائط الحكم التكليفي والوضعي.
(١) أي : تأمل في المقام حتى تعرف حقيقة المراد. ويمكن أن يكون إشارة إلى أن ما ذكره المصنف من : أن الشرط في الحقيقة هو : التصور واللحاظ لا يصح بالنسبة إلى الله تعالى ؛ لأنه منزه عن التصور واللحاظ ، وفي المقام كلام طويل في تصحيح الشرط المتأخر ، بل هنا أقوال ، وقد تركنا الأقوال في تصحيح الشرط المتأخر ، مع ما فيها من النقض والإبرام رعاية للاختصار.
(٢) أي : ما كان المتقدم أو المتأخر شرطا للمأمور به. وحق العبارة أن تكون هكذا : وأما الثالث بدل قوله «وأما الثاني» ؛ لأن مجرد ذكر القسم الثاني ـ وهو شرط الحكم الوضعي ـ في أثناء القسم الأول ـ أعني : شرط الحكم التكليفي لا يسوغ التعبير عن القسم الثالث بقوله : «وأما الثاني».
وكيف كان ؛ فتوضيح ما أفاده المصنف في شرائط المأمور به يتوقف على مقدمة وهي : أن حسن الأشياء وقبحها على أقسام :
الأول : أن يكون كل واحد منهما ذاتيا : بأن يكون الشيء علة تامة للحسن أو القبح مثل الإحسان ، والظلم ، حيث يكون الحسن ذاتيا للإحسان ، والقبح ذاتيا للظلم.
الثاني : أن يكون الشيء مقتضيا للحسن أو القبح ؛ كالصدق والكذب ، فإن الصدق مقتض للحسن ، والكذب مقتض للقبح ، والفرق بين هذا القسم الثاني والقسم الأول هو : أن كل واحد من الحسن والقبح لا ينفك عن الشيء في القسم الأول ؛ بخلاف القسم الثاني فإن الحسن ينفك عن الصدق ، كما أن القبح ينفك عن الكذب ؛ فيما إذا كان الصدق سببا لقتل مؤمن ، والكذب سببا لنجاة مؤمن من القتل.